أسامة مهران يكتب: الذهب والمكتنزون ولعبة الأسواق
أسامة مهران
كثيرون هم الذين يحرضونني على الكتابة عن الذهب، لكنني كنت مترددًا أن أتدخل في خيارات الناس الاستثمارية، وفي رغبات النساء في التزين بالحُلى، وفي حالة الأسواق المترددة.
كنت ومازلت من الذين لا يقتنون الذهب، ولا أي معدن نفيس أو غير نفيس، كنت وما زلت رغم ذلك متابع لأسعاره، لجنون تحركاته، لعلاقاته الكاثوليكية الحميمة مع النفط والغاز والدولار الأمريكي، وحتى صرف العملات المحلية بالدول المختلفة. بحكم المهنة ليس إلا، تابعت واستجبت لإلحاح مديرة الموقع التي تهتم كثيرًا بأحوال الذهب والمعادن النفسية، بأن أكتب مقالاً مستقلاً عن هذا المعدن المجنون.
لكن لماذا كل هذا الجنون يا ذهب؟ في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، هبط سعر أوقية الذهب بالأسواق العالمية إلى أقل من ألف دولار، السبب في ذلك الوقت وفقًا لتصريحات خاصة أدلى بها لي تاجر المجوهرات الشهير في المنامة الراحل الكبير محمد بن عبدالله بن عيسى المناعي، أن صراعًا بين عائلتين يهوديتين هما: أوبنهايمر وروتشيلد، هو الذي أدى إلى إغراق الأسواق بالسبائك الذهبية، هو الذي أدى إلى انهيار سعر جنيه الذهب بالعملة البحرينية إلى أقل من 40 دينارًا في ذلك الوقت أي ما يعادل مائة دولار أمريكي.
وكان الدولار الأمريكي يعادل في ذلك الوقت بالسوق المصرية ما لا يزيد عن ثلاثة جنيهات فقط، أي أن جنيه الذهب كان يُباع ويشترى بنحو 300 جنيهًا مصريًا قبل أن يقفز سعره في الوقت الراهن إلى أكثر من ثلاثين ألف جنيه بنسبة نمو بلغت أكثر من مائة مرة خلال ثلاثين سنة.
أوبنهايمر وروتشيلد عائلتان يهوديتان مسيطرتان على الاستثمار في أغنى مناجم الذهب بالعالم بالتحديد في زيمبابوي وجنوب أفريقيا، وكان الصراع اليهودي البيني يتم لصالح تجارة الألماس التي نمت أسواقها في ذلك الوقت بالإضافة إلى التهوين من قيمة الذهب لكي لا يصبح الغطاء الرسمي للاقتصاديات العالمية، أي لصالح الدولار الأمريكي الذي أصبح يسيطر على أكثر من 80% من التجارة العالمية.
ولأنني متابع رغم أنفه لأسواق الذهب، وكاتب بالأمر الإداري، فإنني اضطررت أن أقترب أكثر فأكثر من أسواق الذهب خلال الفترة القريبة الماضية، وعندما حاولت تتبع شريط الأخبار الاقتصادية بالفضائيات العربية والعالمية، وتلك المرتبطة ببورصات الذهب والمعادن في تلك الأسواق، اكتشفت أن هناك توقعات بوصول سعر أوقية الذهب إلى حاجز الثلاثة آلاف دولار قبل نهاية عام 2025، وليس قبل نهاية عام 2024.
المفاجأة الكبرى أو الطامة اللعوب، وقعت عندما ارتفعت أسعار أوقية الذهب عيار 24 قيراطًا من 2200-2300 دولا إلى 2700 دولار قبل أيام، أي أن مراهنات المضاربين وأمزجة المستثمرين قد قلبت الأوضاع رأسًا على عقب خاصةً بعد الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وبعد أن تفاقمت الحروب في منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا والسودان والصومال، ليعيش معدن الذهب حالة حرب حتى النخاع، ويدفع بصغار المتعاملين في السوق المصرية إلى الفرح والفرح المضاد، لكن ما هو الفرح المضاد يا ترى؟
يقول بعض الزائرين الطارئين لأسواق المشغولات الذهبية في مصر أن أسعاره قد تراجعت في أسواقهم الصغيرة، وأنهم عندما يذهبون إلى بيع بعض الخواتم أو المصوغات الذهبية البسيطة فإن التجار يفرضون أسعارًا زهيدة يخصمون منها قيمة “المصنعية”، وعندما يذهب نفس الزائرين الطارئين إلى المحل ذاته لشراء أي شيء، يجدون السعر وقد ارتفع 30% على أقل تقدير.
هي شطارة تجار، أم انفلات أسعار؟ هل هي حالة مصرية خالصة تمامًا مثلما هو الحال بالنسبة للدولار الأمريكي الذي أقفلت أسعاره عند سقف الـ50 جنيهًا وربما 51 في البنك المركزي، أم أنه الذهب المجنون الذي يتحرك وفقًا لمزاج حاد وشديد التقلب، وبعيدًا عن المعطيات الموضوعية التي أدت إلى التحركات البوهيمية لأسعار هذا المعدن النفيس جدًا حاليًا؟!
أسامة مهران