العافية فى الدنيا مقال جديد للشيخ أشرف محسن

تعد  العافية في الدنيا  هى أمنية يتمناها كل الناس، وكلهم يبحثون عنها، وكلهم – إلا القليل منهم ـ يرونها حق مكتسب لهم، وكأن الشرط فى الحياة أن يكونوا فى عافية أبدا، والعافية فى معناها عندهم هى: خلو الحياة كل الحياة من المنغصات كل المنغصات، ويتمنون أن تكون الدنيا لا شيء فيها يعكر صفو حياتهم، وهو حق لهم والأصل الثابت فى الحياة.
فأما أن نتمناها فلا إشكال فيه، ولا إشكال فى البحث عنها، وتمهيد السبل لذلك، فأن تبحث عن المال حتى تكون فى عافية من الغنى فهذا مطلوب، وأن تعالج نفسك إذا اشتكى عضو منك، فهذا حق لك ومطلوب وأنت مأمور به، ومأمور بأن تأخذ بأسباب العافية عقلا وعرفا وشرعا، ولا يخالف أحد من العقلاء فى ذلك.

العافية في الدنيا

ولكن الإشكال يبدأ عند الإنسان إذا نقصت عافيته، إذا حدث له بلاء من افتقار أو دين أو مرض أو المشكلات العادية التى يتعرض لها الإنسان كل الإنسان، فاستقبال الإنسان لهذا البلاء غالبا يكون هو البلاء الحقيقى، فى عدم الاعتراف بأن هذا هو شأن الدنيا لكل أحد، وعدم الرضى العافية في الدنيا بما وقع له من بلاء، فتضيق نفسه، وينكفىء على ذاته، ويصيبه من اليأس والإحباط أضاف ما نزل به من بلاء، ويرى كل الناس فى عافية إلا هو، مع أنه لو نظر تحت قدمه لرأى كثيرا من الناس فى بلاء أضعاف ما نزل به، بل ربما لو شاهد واقع الناس لعلم أنه فى عافية بل فى أتم العافية.

والله تعالى يقول ( إن الإنسان لربه لكنود ) ومعناه أن الإنسان كثير الجحود لربه، ينسى النعمة، ولا يرى إلا ما وقع له من بلاء، وهذه صفة فى الإنسان قليلا ما تنفك عنه.

والحق أن طلب العافية التامة فى الدنيا محض خيال لا حقيقة له فى الواقع، إذ هذا هو شأن الدنيا، فالشان فيها أنك تتقلب بك الحياة فى كافة الأوقات والأحوال، فدوام الخال من المحال، وإنما الشأن فيها أن لا فرح يدوم فيها،

ولا حزن يدوم، ولا مرض يدوم، ولا صحة تدوم …… الخ، فكل وقت يمر على الإنسان سيمر وينقضى بما فيه كل ما فيه فالإنسان يأخذ من كل وقت العبرة فيه، ويعلم أن هذا وقت ينقضى.

والحقيقة أن اوقات العافية فى حياة الناس أكثر بكثير من اوقات البلاء، ولكن الإنسان لا يرى إلا أوقات البلاء، بل إن حال البلاء للإنسان إذا قورن فى وقت نزول البلاء عليه، لعلم أن العافية أكبر وأوسع، وهذا كما قلت فى أوقات البلاء، لكن نسيان الإنسان للنعم وإلفها واعتيادها، هو الذى جعله لا يرى النعمة التى هو فيها.

وكذلك يرى الإنسان أن العافية حق له أصيل على الله، وهذا عين الإشكال وأساسه، وهو ما أوقع ذلك فى نفوس الناس، فالله لم يعد الإنسان بتمام العافية الدنيا، إنما وعده بتمامها فى الجنة، بل أخبر أن الدنيا دار ابتلاء وبلاء، فالغنى بلاء والفقر بلاء، والصحة بلاء والمرض بلاء، العافية في الدنيا وإنما الحاكم والفارق بين هذه الأمور هو استقبال كل إنسان لما نزل به من صحة أو مرض أو من غنى أو من فقر، لا أن حالا دأئما نعمة ولا أن حالا دائما بلاء.
رزقنا الله وأياكم شكر نعمه، والصبر على بلائه.

اقرأ ايضا:

الشيخ أشرف محسن يكتب: من ذا الذى ما ساء قط؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى