نشرت مجلة الكواكب تقريراً صحفياً عن الفنانة سهير زكي وعن المعاناة التي عاشتها، وكان بعنوان “سهير زكي عندما ترقص كالطير المذبوحة”، وقد جاء نصه كالتالي:
آخر خبر ورد من على المسرح، ساعة حدوثه، يقول: أن الراقصة سهير زكى، سقطت من الأعباء فهي كانت ترقص على المسرح، وحملت إلى المستشفى، فأوصاها الأطباء على الفور بأن تقطع عن (الريجيم) الذى تتبعه، وأصبحت على أثره كالعود النحيل.
سبق وأدى الى مضاعفات بين عدد من الفنانات، وأن موضة القرن العشرين هذه، والمساة (ريجيما) فعلت فعلها القاسي لا فى أجساد الفنانات، بل فى نفسياتهن أيضا، فإن من الأصح القول أن الريجيم إذا رافقه نوع من المتاعب العائلية لا يمكن أن يبقى (ريجما) بل يصبح بدون شك (شيطانا رجيما) يؤدى إلى أن تفقد الفنانة الكثير من قدرتها على الصمود، أو الصعود، أو التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
ولذلك كان الخبر الذى صدر عن أوساط سهير، من داخل بيتها، مبررا تماما لواقع السقوط على المسرح، ويبرر أكثر جوابا لهذا السؤال: ـ لماذا بقيت سهير، وهى فى منتصف الطريق، لا عالقة ولا طالقة لاهى بمجهولة، ولاهى نجمة، رغم أنها تتمتع بكافة الكفاءات الفنية، التى قد تؤهل الفنانة لأن تصبح راقصة متألقة؟.
وانبعث الجواب من داخل بيت سهير، خرج الجواب جاهزا لكى يشير بصراحة وعلانية إلى أن الإنسانة، والفنانة بشكل خاص، التى لاتسعد فى بيتها لاتستطيع ابدا أن تكون سعيدة فى عملها.
وأن التأثير النفسى يرهقها أكثر ويسبب لها الركود، والإرهاق، والسقوط على المسرح، ويجعلها ليست قادرة على التفكير فى فنها بما يؤهلها لأن تقفز، وتبحث عن الإلحاد الفنية، وسط مظاهرة عائلية تعيسة، وسهير ـ بالمختصر المفيد ـ تعيش وسط مظاهرة عائلية تعيسة.
فقبل أن تتزوج من المصور السينمائي محمد عمارة، كانت تعيل أسرتها المؤلفة من والدتها، وبعض الأشقاء، وكانت تضطر لأن تعمل فى كل الحفلات و الأفراح و الليالي الملاح لكي تغطى هذه النفقات وتضمن مصروفها، و مصروف عائلتها.
وحين تزوجت حاولت أن تعطي بعض جهدها لبيتها، ولكن أسرتها لم تمكنها من ذلك، فقد ثارت أمها ذات مرة، وطلبت منها أن لا تقطع المعونات، بل وفعلت أكثر من ذلك، أرادت أن تحجب عنها كل العائدات التى تأتيها من الحفلات، وثار زوج سهير بالمقابل، وأصدر أوامره المشددة بوقف سهير عن العمل نهائيا، وفعلا توقفت، ثم جرت تسوية بين الوالد والبنت خصصت سهير خلالها من أجل أسرتها مبلغا معينا فى الشهر.
ولكى تغطى المصاريف الجديدة، وجدت أنها بحاجة إلى أن تعمل أكثر، فبدأت تعمم رقصها فى كل حفلة، ومسرح وكل ملهى ليلى مهما صغر أو كبر شأنه حتى أصبحت فى الأيام العادية تؤدي خمس أو ست وصلات راقصة، وقيل أنها أدت ذات يوم 53 حفلة فى ليلة واحدة ، وكانت دائما تعود إلى البيت وقد بدأ عليها ظل الإرهاق الشنيع، لتواجه ضمن البيت المتاعب الناشئة عن تقسيم العائدات، و لتواجه أيضا أزمة الريجيم القاسى الذى كانت تتبعه حتى يحفظ لها رشاقتها، ويجعلها ترقص بخفة ومزاج.
ورغم كل هذا، رغم الأسلوب المرهق الذى كان يواجه سهير فى حياتها داخلا و خارجا، وبين زوجها، ووالدتها، و أشقائها، فقد ظهر العامل الجديد الذى أدى إلى السقوط على المسرح وإلى الإصابة والنقل إلى المستشفى .
ظهر فجأة الجو والد سهير، ليطالب أيضا بحصته من الدجاجة التى تبيض ذهبا، رغم أنه كان قد اختفى من حياتها وهى صغيرة، ورغم أنه تزوج من غير والدتها، ظهر ليقول أن له حقا أيضا فى ابنته الراقصة المشهورة، التى يقدر ـ هو طبعا ـ إيراداتها الشهرى بحوالى الفي جنية فى الشهر الواحد.
ولم يكتفي الأب بأن طالب بالحصة والنصيب، بل هدد برفع دعوى أمام القضاء يطلب فيها عائداته وما يعتبر أنه حقا شرعيا و مكتسبا له.
ورغم أن والد سهير لم يعترف عليها أثناء فترة شقائها وكدحها، ورغم أنه تركها وهى طفلة فى المهد، فإن القانون معه، وهو يبح له أن يحصل على نسبة من دخل ابنته، وهذا ما جعل الأمور تزداد سوءا، والحالة العائلية أكثر تعقيدا، وجعل سهير تحاول أن ترقص، وترقص وهى كالطير المذبوح من الألم، لكى تغطي مصاريف الأم، والاخ ، والأخت، والزوج، والبيت، والأب من ناحية ثانية، ولكى تنسى واقعها المر الأليم من ناحية أخرى.
وأدى ذلك إلى أن تقف سهير كليلة عاجزة أمام ذات يوم على المسرح، لتدور دورتين ثم يغمى عليها من فرط الإجهاد من ناحية، ومن فرط ما تعاني من مشاكل عائلية من ناحية اخرى.
وستظل سهير تقف فى منتصف الطريق، ترقص كالطير المذبوح من الألم حتى تحل حكايتها العائلية، وتستريح من عشرات المطالبات والمطالبين بحقوقهم من الدجاجة التى تبيض ذهبا.