أسامة مهران يكتب: الدولار المصري والجنيه السوداني وحملة فريزر

الدولار المصري.. ما كان تتكرر أحداثه، منذ الخديوي إسماعيل، بل ومنذ التدخل الأجنبي في مصر عام 1882، لا حملة “عرابي” تمكنت من الوقوف أمام حملة “فريزر”، ولا “جيوش المعز” تمكنت من ضرب الأيوبيين في مقتل، لذلك ضاع الحق رغم أنه كان وراءه مطالب، وضاعت الفرص رغم أنها كانت أقل من محدودة، أما الدولار الأمريكي منذ نشأته على أيدي مخضرمين في الصناديق الدولية حتى إطلاق سراحه وانتزاعه لقب “الدولار المصري”، فهو متروك على راحته، إذا انخفض في الأسواق المالية العالمية يرتفع في مصر، ومصر لا تعني بالنسبة للدولار مصرفًا مركزيًا يفرض السعر والفائدة، ووقف المضاربات والقبض على المضاربين، لكنه ساحة عملاقة يتحرك فيها من دون ثبات، ويلعب فيها كل الأدوار المؤثرة التي يجني من ورائها المكسب السريع، ولا شيء غير هذا المكسب السريع.
الدولار الأمريكي بعد ترمب ومع أسعار النفط هدأت وتيرة تحركاته، حيث الذهب العملاق يرتفع إلى أعلى من ألفين دولار للأوقية مع نبوءات شبه مؤكدة بتجاوزه لحاجز الثلاثة آلاف دولار للأوقية لأول مرة في التاريخ قبل انقضاء العام القادم 2025.

هذا يؤشر بأن “الدولار المصري” الذي يباع في أكشاك السجائر، وعلى “القهاوي” وفي بئر السلم، وفي أي مكان قد يذهب بمفرده ومن دون الاستعانة بصديق ليطرح نفسه بالسعر الذي يراه مناسبًا مقابل الجنيه السوداني “المصري سابقًا”، هذا الدولار المصري بمجرد أنه استمع إلى برنامج على “الهواء مباشرة” لسيدة النقد الدولي الأولى “كريستالينا” حتى بدأ في الإلحاح على تجار الذهب متسائلاً: لماذا يبيعونني بسعر البنك؟ – أي ما يعادل 49 جنيهًا فقط أو بـ 50 جنيهًا في أحسن الأحوال.

 

الدولار المصري يشعر بقيمته، يعرف أنه غير قابل للتراجع أو للانزواء، يتحرك وكأنه فاقد للذاكرة، عندما كان الجنيه المصري يعادل 20 دولارًا في الأيام الخوالي، وعندما كان يعادل ثلاثة جنيهات من الذهب الخالص عيار 24 قيراطًا، قبل أن يتراجع ليقفز سعر الجنيه الذهب إلى أكثر من 30 ألف جنيهًا مصريًا في الوقت الراهن.

المغزى الذي في بطن الشاعر أصبح واضحًا، فهذا الشاعر بدأ يعيد إلى مسامعنا أغنية “ظلموه”، لكن من الذي ظلموه يا ترى، هل الجنيه المصري الذي تخلى عن جنسيته وخلع ثيابه، وأصبح يحمل جوازًا سودانيًا أو أفريقيًا، أم أنه الجنيه الذي كان يشتري 2 كيلو جرامًا من اللحم الطازج اللذيذ في مطلع سبعينيات القرن الماضي قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة عند جميع محلات الجزارة في مصر، بالتحديد بعد أن أصبح الكيلو جرامًا غير الطازج وغير المضمون يعادل 500 جنيهًا مصريًا، أقصد أفريقيا في الوقت الراهن؟

سعر الجنيه الإسترليني في البنوك اليوم
سعر الجنيه الإسترليني في البنوك اليوم

حالة مستعصية

الحالة المستعصية التي جرجرت الاقتصاد المصري إلى عدم المواكبة والخروج عن المألوف، والضرب تحت الحزام، وعدم الانصياع لمختلف القوانين الإنسانية، هي التي جاءت بصندوق النقد الدولي مرة ثانية وثالثة ورابعة إلى مصر المحروسة لكي تصبح النداهة نظير أسى أكثر من كونها نظير شؤم، ولكي لا يروى يومًا عنا أننا كنا “خير أمة أُخرجت للناس” لولا الدولار المصري، ولولا الجنيه الذي يحمل جنسيتين وربما أكثر، ولولا الخطط المضروبة للإصلاح، وتلك التي عفا عليها الزمن وكانت مرفوضة، وطالق .. طالق .. طالق من الرئيس الذي أغضب الشعب المصري حتى فارق الحياة مكلومًا أو مقهورًا أو مسجونًا من دون أن يورث ابنه للحكم، أو يجازف بنصر أكتوبر 1973، أو بسيرته الذاتية كموظف فوق العادة بدرجة حسني مبارك أو رئيسًا للجمهورية الثالثة بعد ثورة 1952 – أي بعد عبدالناصر والسادات، وربما محمد نجيب.

ويعد الدولار المصري هو أول المنتصرين في الحرب الشعواء الدائرة الآن من حارة إلى حارة، ومن ميدان إلى ميدان، بين “شارلوك هولمز” وتجار العملة وليس مع تجار الذهب، لأنهم بالقانون ولا أدري أي قانون، ربما بالعرف ولا أعلم من أي عرف، وربما بالعادات والتقاليد ولا أدري أية عادات وأية تقاليد، والله وحده المستعان.

سعر الدولار اليوم في البنوك
سعر الدولار اليوم في البنوك

اقرأ ايضا:

الدولار المصري ورعونة الذهب وتجار الشوارع الخلفية ” تحليل اقتصادي” للكاتب أسامة مهران

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى