“الحلم والنهر”.. قصة قصيرة للكاتب محمد خليل

“الحلم والنهر”.. قصة قصيرة للكاتب محمد خليل

خطواته تقطع الشارع في سرعة غير عادية .. لا يشغله غير الوصول إلى وزارة الداخلية .. حلمه الذي كان يراوده منذ كان طالباً في الثانوية العامة, تشعلق على باب الأتوبيس محاذراً بهدلة هندامه .. المحطات والإشارات كثيرة تعوق سرعة الوصول كأنها الجبال والنار .. تمنى أن يقفذ فوق مقعد السائق .. تذكر أنهلا يستطيع القيادة .. إبتسم لنفسه ..(( ولا يهمك يا عُبَدْ بكرة يبقى عندك عربية وتتعلم السواقة .. اسوق ليه ؟ هايبقى فيه سواق طبعاً )). أفاق ..
– سوق بسرعة شويه يا أسطى ..

“الحلم والنهر”.. قصة قصيرة للكاتب محمد خليل

لديه عمل كثير في المؤسسة الصحفية الكبرى التي يعمل فيها بعقد مؤقت حتى ينفق على نفسه ويساهم في إعالة أسرته ومصروفات شقيقه طالب الطب المتفوق .. الوظيفة في الخارجية حلمه الكبير منذ وعي معنى كلمة وظيفة ومنصب وأنهى الدراسة متفوقاً .. أسرت تسعى إلى النجاح والهروب من شبح الفقر والفاقة بقيادة الأب العامل البسيط والفلاح الفصيح الذي لا يملك من متاع الدنيا شيئاً .. لكنه يملك إيماناً بالله وبقدرات أولاده الذين يتفوقون دائماً على أقرائهم .. كل أدواته ورأس ماله في الحياة فأسه .. يشعر وهو يهوي به يقلب الأرض أجيراً أنه يستخرج أسباب الإستمرار لحياة الناس .. الكبار منهم والصغار ..

” ورقة صغيرة .. تمنح الدفء” قصة قصيرة للكاتبة حنان فتحي

استعاد عبد الحليم شريط حياته وهو في طريقه لمعرفة نتيجة امتحانه للوظيفة الحلم .. عندما رأى الأعداد التي تقدمت للوظيفو هاله الإقبال عليها .. البطالة جعلت الأعداد التي تقدمت مخيقة مزعجة لكنه واثق من نفسه ..

استعداده للإمتحان من كل الجوانب والتوقعات جعله مطمئناً .. حتى اللغات الأجنبية التي تؤهل لشغل هذه الوظيفة أتقنها وأجادها أكثر من غيره بكثير, لم يكن يدخر جهداً أو مالاً في الإنفاق المكلوب لإتقان اللغات الأجنبية التي تميزه عن غيره، حتى الذين امتحنوه لم يعرفوا أصله وفصله منحوه نتيجه الإمتحان وهنأوه قبل إلانها رسمياً على لوحة إلانات الوزارة .. الوقت يمر بطيئاً جداً والسائق (( يرغي )) كثيراً .. يشعر كأن السيارة لا تتحرك.

والناس ببطء يصعدون وينزلون والوقت يتبدد هباء، بينه وبين تحقيق حلم حياته وحياة أسرته دقائق .. صدره يضيق بهذا السائق الذي لا يتوقف عن التهريج ومشاحنات الركاب التي تعطل السيارة .. قفز مفضلاً أن يقطع المحطة الباقية على قدميه.

بقدر ما يملأ عقله من الثقه في الوظيفة تنتقل أيضاً وبنفس السرعة أحاسيس ومشاعر القلق لتختلط بهذه الثقة فيتولد الخوف والهلع لينتشر في شرايين جسده وينتقل إلى ساقيه فيشعر بهما تكادان تتصلبان، تنهد واستغفر الله وأسرع يحاول طرد الهواجس التي تموج في صدره .. يرى الحياة جميلة والكفاح لابد وأن يعطي ثمرة طيبة وإلا … (( يااااه يا عبد الحميد لو أن الوظيفة …. )).

وجد نفسه أمام بوابة الوزارة, تمهل, توقف لعدة دقائق, راح يعدل ملابسه .. يطمئن على هيئته .. يجفف عرقه .. يلتقط أنفاسه ليبدو هادئاً رزيناً .. أليست هذه هي البوابة التي سيمر منها إلى عمله كل صباح بعد عدة أيام وقتما يأتي إلى عمله وينهض لتحيته كل من يقفون امام هذا الباب من أفراد الحراسة وموظفي الاستعلامات والعمال وغيرهم.

قرأ آيات مما يحفظ من القرآن الكريم، ودعا ببعض الأدعية التي حفظها عن أبيه وهو صغير، اجتاز البوابة، مشى حتى وقف أمام لوحة الإعلانات، أبصر عدداً كبيراً يقرأون النتيجة، وقف يتأمل الوجوه قبل أن يتقدم للقراءة باحثاً عن اسمه، كثيرون يتركون اللوحة والجهامة تغطي وجوههم ..

وآخرون يبتعدون وقد افترشت البهجة والفرحة ملامحهم .. تبدو عليهم علامات الثراء والوجاهة الإجتماعية والكبرياء .. (( ياااه يا عبد الحميد ..

قلبك ليه مقبوض كده وخايف ؟ )) .. لم شعر في حياته بالخوف والهلع – رغم ثقته في نفسه – مثلما يشعر الآن .. لم يرهبه أي إمتحان في أي مرحلة من مراحل حياته التعليمية البطيئة والشاقة رغم شظف الحياة التي كان يحياها .. المشوار كان طويلاً ومرهقاً .. لكن التحدي كان عظيماً وجميلاً يا عبد الحميد .. دنا من الكشف الذي ينتظره على أنه طوق نجاه من عذاب الحياة.

زاحم الواقفين أمامه .. قرأ من أول اسم في الكشف .. عند منصفه تقريباً تسمرت عيناه على اسمه .. (عبد الحميد شتا .. آآآآآآآه) كاد قلبه ينخلع من الفرحه .. حملق في الكشف حتى كاد ينتزعه ويمزقه وينثره في الهواء .. لم تدم الفرحة طويلاً .. كأن الحياة استكثرتها عليه .. على امتداد السطر المدون عليه اسمه وفي خانة الملاحظات قرأ مصدوماً ومهزوماً ومخذولاً (ناجح وغير مقبول اجتماعياً) ..

كاد قلبه يتوقف من هول الصدمة .. استدار وهو يشعر أنه يهوي في جب سحيق, تمنى أن تبتلعه الأرض قبل أن يرى أثر ذلك الفشل على وجه أبيه الذي ينتظر هذه اللحظة لسنوات طريلة ..

ويستشعرفيها قيمة ضربات الفأس التي تمنح الحياة امن أرادوا حرمان أسرته منها .. يشعر أنه يسقط ويسقط وقد اسودت أو احمرت الدنيا في وجهه .. ساقته ساقاه الى كوبري قصر النيل.

اختلطت كل الصور والأشياء والأحلام والآمال في دماغه الذي لم يعد يحتمل .. أى كل ما حوله مقلوباً وقبيحاً وكاذبأ ولا شئ له قيمة .. راح يتأمل صفحة النهر من خلف سور الكوبري .. النهر هادئ وعميق وحنون .. والعوامات واقفات على شاطئيه كأنها تخرج له ألسنه من يمرحون بداخلها عابثه وغير عابئه به أو بأمثاله ..

يرى بعينيه الثاقبتين ما يدور فيها .. (( وأنت يا عبد الحميد ليس لتفوقك قيمة ولا لكفاح أسرتك مزية فماذا تنتظر ؟ لم يكن لديك وقت لتتعلم السباحه حتى في ترعة القرية التي جئت منها .. وهذه هي المكافأة .. أنت غير لائق لشئ .. ولا تصلح لشئ .. فما هي القيمة لحياتك ؟ .. هيا وتجرد من ملابسك .. تعرى أمام الناس ..

"الحلم والنهر"
“الحلم والنهر”

ولتحتضن هذا النهر .. فربما يكون هذا النهر الذي نشرب منه جميعاً أكثر حناناً ورأفة من أولئك الذين رفضوك وظلموك وقهروك وأصدروا قرار خروجك من هذه الحياة )) .. اسودت الدنيا تماماً في وجهه واكفهرت .. ولم يعد يرى أمامه أي بارقة أمل في هذه الدنيا .. فك أزرار القميص وخلعه والبنطلون أيضاً ..

والناس ينظرون إليه شذراً ودهشة .. وكل يمضي في حاله يسأل أو لا يسأل .. وضع كفيه على السور وتهيأ للقفز .. فوجئ بذراعين قويتين تلتفان حول خصره وتنتزعانه بالقوة .. تكأكأ الناس حوله ويمنعونه وظل يصرخ ويضحك, يصرخ ويضحك..

الحلم والنهر

اقرأ ايضا:

“ربع أنف ونصف أذن”.. قصة قصيرة للكاتبة دعاء زيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى