مباشر 24

هبة عبدالوهاب تكتب: كبش الفداء

ولأن العالم أصعب من أن يكون بلا أخطاء به، ووقوع الأخطاء هو أمر حتمي! أصبح من الضروري أيضا على من لا يريد أن يعترف بأخطائه أن يربي “كبش الفداء” ويكون جاهزا لديه، هذا مثلما اعتاد أصحاب السلطات _على مرّ التاريخ_ أن يفعلوه في صفقاتِ “الغرف الخلفية”.

يمكن الجزم أن هناك فى السلطة من يتقرب وهو يعلم أن نهايته “كبش فداء” وسيتم التضحية به فى أى وقت، وهو راض تماما ولا يعبأُ طالما الأمور فى نصابها المناسب، قصدت أنه يتعاطى مقابلا مناسبا ظنا أن الأمر سيطول وقد لا يحتاجون لذبحه، خاصة أن المردود المادي يعمي عن التفكير فى الأمر، وقد لا يشعر بقبح فعلته إلا باقتراب ساعة النّحر.

وكما نعلم جميعا أن “كبش الفداء” يعتبر أثرا من بقايا الماضي الهمجي لكننا مازلنا نحافظ عليه.. بصورة أو بأخرى، لأن تقديم هذه الأضاحي هو أحد الطقوس التي يُعد الغرض منها نسّب الخطيئة إلى كائن خارجي.. مثلما نقل لنا التاريخ عن “عنزة العبرانيين” مثلا، تلك التي تُنقل إليها خطايا بنى إسرائيل ثم يتم ذبحها أو رجمها لإبعاد الشر بنفيه عند قتل هذه الروح البريئة.

ويعدّ هذا الحل مثاليا للتخلص من إحساس الشعور بالذنب لدى الأفراد والاحتفاظ بالسلطة لدى أهلها، ووجوب البحث عن مخطئ آخر يتطلب أن يكون البدء في رحلة بحث خارج الذّات لإلقاء اللّوم والهجوم عليه، ونهره أو رجمه أو نحره أمام الأعين للتخلص من شؤمه الذنب حتى ترضى أنفسنا عنّا ونتخلّص من أعباء النفس اللوامة.

الفرق الوحيد بيننا وبين السلطات، أن السلطات تُعدّ لهذا المشهد بمنتهى الوعي غالبا، وتعلم متى ستقطع رقبة كبشها أمام العامة لإرضائهم، بينما نحن فى كل يوم نرمي بأخطائنا ونعلقها على كتف الآخر باللغة الدارجة” الشّماعة اللي بنعلّق عليها بلاوينا” ونخلق ضحيّة جديدة قد تكون من أقرب المقربين إلينا لاسترضاء أنفسنا قبل الجميع، وهى لا ولن ترضى..!!

ولا ننسى أن ننوّه أن هناك من يجيدون البحث والوصول إلى أكباشهم على مرّ الطريق فيعيشون هنيئي البال مُنسجمين مع خطاياهم في حق أنفسهم ومَن حولهم، طالما يجيدون طرح كبش الفداء ونحره بدمٍ باردٍ على رؤوس الأشهاد، وهناك من يتخبّط فى رحلة البحث والوصول إلى ضالته، فيظلّ متعثرا طوال الوقت، ويخرج من أزمته إلى أزمة جديدة تحتاج إلى أكباش فداء لا تنتهي، وهذا الأخير في كل الأحوال لا ينسجم ولا يرضى.

المتخبّطون هم الأكثر ذعرا لأنهم يظلّون واقعون تحت تأثير الضمير الحى.. الذي لا يستقر مهما بلغت محاولات الاستقرار به على حساب كبش الفداء، ولكنه الكِبر عن الإعتراف بالخطأ يُجرجرنا ومن حولنا للدخول في هذه اللعبة واحدا تلو الآخر حتى تبدأ الدوامة التي لا تنتهي. هؤلاء على الأغلب ليس لهم على وجه الأديم راحة، ولا يتبقى أمامهم سوى رحمة الله لتنير طريقهم.

Exit mobile version