نشرت مجلة الكواكب موضوعا تروي فيه سبب غياب دافئة الصوت نجاة الصغيرة عن الساحة الفنية، والذي جاء تحت عنوان “صمت نجاة الصغيرة له أكثر من سبب”.
وجاء نصه كالتالي:
منذ أيام جلست دافئة الصوت نجاة الصغيرة وسط مجموعة من الأصدقاء، ورغم أن الحديث فى هذا الاجتماع كان ذا شجون، إلا أن واحدة من الصديقات طالبت نجاة باسماعها صوتها وهى تغني، وسرعة تحول هذا الاقتراح الى مطلب جماعى من كل الاصدقاء .
وحاولت نجاة فى البداية الاعتذار بحجة انها غير مستعدة ـ نفسيا على الاقل ـ لتلبية هذا الطلب، ولكن الحاح الاصدقاء زاد، واستمر فترة طويلة، وكانت واحدة من حجج الأصدقاء.. أنهم لم يستمعوا إلى نجاة وهى تغني فى حفل عام منذ فترة طويلة..طويلة جدا وأمام الالحاح المتزايد والمستمر.
لم تجد نجاة أمامها غير الاستجابة لكل الأصدقاء الذين تجمعوا حولها فى صمت، حتى قبل أن تعلن موافقتها على أن تغنى.
ومضت لحظات صمت ودافئة الصوت تفكر وهى تتساءل بينها وبين نفسها: أى الاغنيات تقدمها لهم؟ وقفزت إلى ذهن نجاة خلال هذه اللحظات أسماء مجموعة من أغانيها القديمة وسرعان ما تحول هذا الخاطر إلى حقيقة عندما بدأت تغني.
ويقول الذين حضروا هذا الحفل الصغير: ـ فى البداية كان صوتها خافتا يصل إلى آذاننا بصعوبة، وبعد لحظات انطلق الصوت يملأ جدران القاعة التى كنا نجلس فيها.
والحقيقة أن نجاة أبدعت، وهى تشدو فى هذه الليلة بمجموعة من أغانيها القديمة، التى لم تكن قد استمتعنا إليها خلال سنوات.. لا من الاذاعة ، ولا من التلفزيون، ولا فى المسارح.
ويقول أيضا: (( بحق .. كانت سهرة أكثر من ممتعة)) وانتهت السهرة، و ليلتها عانت نجاة من الأرق، وكان يشغلها سؤال واحد تبحث عن إجابة له: لماذا لا تعيد تقديم أغانيها القديمة فى حفلاتها القادمة ما دامت هذه الأغنيات تعيش فى وجدان الناس؟ وانتهت دافئة الصوت إلى قرار..أنها ستقدم بالفعل بعض أغنياتها القديمة.
وساعدها على سرعة اتخاذ هذا القرار، بعد ليلة الأرق، نجاح الحفل الصغير جدا الذى استمع فيه بعض الأصدقاء الى مجموعة من الأغاني التى عادت بذاكرتها إليها وكان بعضها من ألحان محمد عبدالوهاب.
والبعض الآخر من ألحان كمال الطويل، و بليغ حمدى، ومحمد الموجي.
ويبقى هناك سؤال: أين كانت نجاة الصغيرة طوال الفترة التى اختفت خلالها تماما عن تقديم أعمال فنية جديدة، بعد سنوات أمضتها فى نشاط مستمر لا فى مجال الاغنية وحدها، ولكن فى مجال السينما أيضا؟ ولهذا الغياب الطويل قصة بدأت منذ رحيل أم كلثوم.
لقد كان من المتوقع أن تقدم نجاة مجموعة من الأعمال الفنية بعد هذه الفترة، ولكن الذى حدث هو عكس ذلك تماما، فقد كانت هى المطربة الوحيدة التى لم تدخل صراع شغل الفراغ، بل وابتعدت تماما عن مسرح الأحداث، مفضلة البعد والصمت.
ونفس هذا الموقف تكرر من نجاة بعد رحيل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، حيث تسابق الجميع لاثبات وجودهم من خلال الاغنيات الطويلة، والقصيرة، ولم تشترك نجاة فى المسابقة.
لماذا؟ إن دافئة الصوت، رغم أنها تحب فنها بصورة لا مثيل لها، إلا أنها بطبيعتها تفضل عدم الدخول فى الزحمة، دائما تحب أن يكون لها عالمها، تنشط عندما تريد.
وهذا الموقف بالذات ترى أنه لصالحها، ولكن .. لماذا طال غيابها.؟ الحقيقة أن ما حدث فى الحياة الفنية خلال الفترة الأخيرة، التى بدأت برحيل أم كلثوم أرغمتها على هذا الموقف.
إن نجاة لا تتعامل فى معظم الأحيان إلا مع مجموعة من الملحنين..فى مقدمتهم: الموسيقار محمد عبدالوهاب، تم بليغ حمدى، محمد الموجى، وكمال الطويل.
وقبل أن تتعامل مع كل هؤلاء فإنها مطالبة بالبحث عن الكلمة المناسبة التى تغنيها.
وعبدالوهاب هو الوحيد الذى يحمل عنها أحيانا مشقة البحث عن كلمات الاغنية التى يلحنها لها.
و لنجاة مع كل واحد من الملحنين الذين تتعامل معهم قصة.. الموسيقار محمد عبدالوهاب مقل فى ألحانه، وهذه طبيعته، وقد شغل تماما خلال الفترة الأخيرة بوضع لحنين أحدهما للمطربة فايزة أحمد، وآخر لأحلى الرقصات نجوى فؤاد ، ولم تكن نجاة خلال هذه الفترة مستعدة نفسيا لتقديم عمل جديد، فقد عودها عبدالوهاب على أن يتفق معها على تلحين أغنية لها، ثم تفاجأ بمكالمة تليفونية منه ـ لتجد اللحن معدا تماما، ولا يتبقى أمامة غير تحديد موعد البروفات مع الفرقة الموسيقية، وخلال الفترة الأخيرة جرت أكثر من مكالمة بين نجاة وعبد الوهاب وما تزال نجاة فى انتظار مكالمة عبدالوهاب ليقول لها أنه قد انتهى بالفعل من وضع اللحن المطلوب.
أما الملحن بليغ حمدى فكايته مع نجاة حكاية طويلة وقصيرة جدا فى نفس الوقت: فى فترة انشغال بليغ بتقديم اكتشافه المطربة عفاف راضي، وفى فترة أخرى انشغل فى وضع ألحان زوجته المطربة وردة، ورغم وقوع أكثر من خلاف بينه وبين نجاة إلا أنه كثيرا ما تكلم معها عن ألحان جديدة لها فى الطريق، وطال الانتظار، وطالت أحداث قصته مع نجاة، وإن كان بليغ حمدى نفسه يؤكد بأن ألحانه فى طريقها إلى حنجرة نجاة، وأن زوجته وردة لن تكون صاحبة كل ألحانه بدليل أن وردة قد غنت خلال الفترة الأخيرة اغنيتين من تلحين سيد مكاوى، و حلمي بكر.
وفى كل يوم كانت تتساءل نجاة: (هل يطول انتظار لألحان بليغ حمدى، بعد أن اتفقا بالفعل على أكثر من لحن انتقينا كلماته؟ وقد طال انتظارهما فعلا، ولكن هذا الانتظار انتهى أخيرا بعد أن لحن لها (( قد العالم حبيتك ..)) من كلمات عبدالوهاب محمد، و غنتها فعلا فى إحدى الحفلات الخاصة.
وحكاية كمال الطويل مع نجاة تختلف كثيرا فى تفاصيلها عن حكايتها مع بليغ حمدى، فالذي حدث أنه رغم انشغال كمال الطويل هذه الأيام بإدارة الشركة العربية للانتاج التلفزيوني: إلا أنه استطاع انتزاء نفسه بالفعل من هذه المسؤوليات، ووضع أكثر من لحن لدافئة الصوت.
واستمعت نجاة فعلا إلى أكثر من لحن وضع من أجلها .. وفى كل مرة تسأله نجاة: متى نبدأ البروفات؟ ويقول كمال: ـ فى أقرب وقت.. وتعود نجاة و تلح، ثم تفاجأ نجاة بأن كمال الطويل قد غير رأيه فى اللحن الذى وضعه، إنه يطالبها بالانتظار فترة أخرى لينتهي من إعادة النظر والتأمل، وحجته فى ذلك أنه لا يريد أن يعود للتلحين بعد فترة غياب طويلة إلا بشئ يستحق أن يسمع ويتناسب مع عودته.
ورغم هذا الموقف من كمال الطويل، إلا أن المؤكد بأن نجاة ستعود بعد طول غيابها بلحن جديد أو أكثر من ألحان لكمال الطويل.
ستغني ألحانه فى نفس الوقت الذى تعيد فيه تقديم بعض أغنياته القديمة.
وكثيرا ما يدق التليفون فى منزل دافئة الصوت، ويطلب منها خلال سماعة التليفون لمقدمة، أو لنهاية لحن جديد وضعه لها، ثم يتوه بعد ذلك بين شكه و حيرته تارة وتارة أخرى بين الأوراق والملفات فى الشركة العربية للانتاج التليفزيون التى يشارك فيها أثرياء من الكويت.
و تتبقى بعد ذلك حكاية أو قصة محمد الموجى دائما متلهف، يريد أن يضع اللحن و يسجله فى أيام ـ إن لم يكن فى ساعات، إنه على عكس كمال الطويل ولكن نجاة نفسها على عكس محمد الموجى، إنها تريد دائما فترة فى أسلوب وأسلوب نجاة تزداد الهوة بينهما.
وأخيرا..إذا تساءلت: أين نجاة؟ فاقرأ هذه السطور من بدايتها مرة أخرى.