الرئيس مبارك .. قصة اللقاء الأول

بقلم: أسامة مهران

لم يكن في الإمكان الالتقاء بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، كانت أجواء العام 1987 ملبدة بغيوم المقاطعة العربية لمصر، السبب “كامب ديفيد” وما أدراك ما “كامب ديفيد”، رغم ذلك كانت العلاقات الشعبية على أشدها بين مصر وأمتها العميقة، ثم عادت المياه إلى مجاريها، الرئيس يتجول بأريحية ما بين العواصم العربية والزعماء يزورون مصر بوتيرة أكثر تسارعًا مما كانت عليه عندما كانت العلاقات الدبلوماسية قائمة.
في ذلك العام، كانت المشادات الكلامية بين إيران ودول الخليج على أشدها، التصريحات المتبادلة والهجمات الإعلامية باتت عنوانًا عريضًا لطبيعة العلاقات بين الطرفين.

مصر كعادتها لا تألوا جهدًا، ولا تدخر موقفًا إلا وكان مساندًا لدول الخليج، باعتبارها عمقًا استراتيجيًا قوميًا لمصر، تمامًا مثلما مصر عمقًا قوميًا لدول الإقليم المشتعل.

وجاء دور البحرين – دولة البحرين آنذاك – فالرئيس مبارك قرر القيام بزيارة خاطفة للدولة العريقة ضمن جولة له في منطقة الخليج، وكان من تحت وسائد أحلامي أن ألتقي بالرئيس المصري ضمن العديد من الرؤساء وكبار المسئولين العرب الذين كنت قد التقيتهم في مطلع حياتي الصحافية النشطة، تقررت زيارة الرئيس مبارك للبحرين، وكنت أعمل حينئذٍ رئيسًا للقسم الاقتصادي بصحيفة أخبار الخليج البحرينية اليومية، يعني لست محررًا سياسًا ولا دبلوماسيًا، فكيف لي أن أتخطى قواعد المهنة وأقفز على مهمات وتخصصات الزملاء وأكون أنا من بين المشاركين في المؤتمر الصحافي العالمي الذي تقرر إقامته مقدمًا مع زعيمي الدولتين الشقيقتين.

في ذلك الوقت كانت تربطني علاقات طبية أكثر من مزدوجة مع وزارة الإعلام البحرينية بالتحديد مع الوزير الأسبق طارق عبدالرحمن المؤيد والسفارة المصرية في المنامة، بتحديد أكثر مع السفير المصري الأسبق محمد محمود أبو زيد طيب الله ثراه ، والسكرتير الثاني للسفارة “السفير” أشرف عقل الذي ما زال صديقًا لي حتى اللحظة، وأصبح فيما بعد سفيرًا مرموقًا لـ مصر في كل من فلسطين والعاصمة اليمنية صنعاء.

و عندما اقترب موعد زيارة الرئيس المصري التي كانت هي الأولى بعد مقاطعة عربية “رسمية” لمصر، استمرت زهاء العشر سنوات، كانت الاستعدادات في المنامة على قدم وساق خاصة أن زيارة الرئيس مبارك كان مخطط لها أن تستمر لمدة ساعتين فقط، سيعقد خلالها المؤتمر الصحافي العالمي. ونظرًا لعدم وجود أمير البلاد الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة – طيب الله ثراه- حيث كان خارج الدولة في ذلك الوقت لظرف طارئ، فقد كان في الاستقبال ولي عهده، عاهل البلاد حاليًا، جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، حيث اتسم اللقاء بالحفاوة والترحيب وكرم الضيافة المعروف عن البحرين قيادةً وحكومةً شعبًا.

في ذلك الوقت، كنت قد أحكمت قبضتي من خلال علاقاتي الطيبة مع أجهزة الإعلام البحرينية والسفارة المصرية بأن أكون من بين اثنين بأخبار الخليج وقع الاختيار عليهم لأكون ضمن الصحافيين الذين سيوجهون الأسئلة للرئيس مبارك.

وبالفعل جاءت ساعة الحسم سريعة آثرة، وأظن أنها كانت قبل الثانية ظهرًا، لأجد نفسي وجهًا لوجه أمام الرئيس المصري مبارك، وولي عهد البحرين – جلالة الملك حاليًا – مع عدد من الصحافيين الزملاء، وأذكر من بينهم أشرف حمدي فؤاد مراسل وكالة روتيرز للأنباء، والسيد نبيل بن يعقوب الحمر مستشار جلالة الملك لشئون الإعلام حاليًا، مدير عام وكالة أنباء الخليج سابقًا، والراحل أحمد عبدالغني مدير تحرير صحيفة أخبار الخليج، وعبدالعزيز الخاجة المندوب الصحافي للديوان الأميري. كما حضر المؤتمر الصحافي للرئيس مبارك وولي عهد البحرين رئيس هيئة الاستعلامات المصرية الدكتور ممدوح البلتاجي، ووزير الإعلام البحريني طارق المؤيد.

وبدأ المؤتمر بسؤال لمراسل روتيرز للأنباء أشرف حمدي فؤاد الذي تعرض لحرج شديد وهو يوجه سؤالاً باللغة الانجليزية للرئيس المصري، في حين أن الصحافي مصري ويعمل لدى وكالة أجنبية، حيث قال له كلمني بالعربي لأني لا أتقن الانجليزية، فضحك الجميع.

وجاء دوري في توجيه الأسئلة، حيث وجهت للرئيس مبارك سؤالاً على الهواء مباشرة عن إعادة 14 دولة علاقاتها الدبلوماسية بمصر فماذا بقى لعودة مصر إلى الجامعة العربية، حيث كان قد تم تعليق عضويتها بعد “كامب ديفيد” عام 1978، فإذا بالرئيس مبارك يضعني في موقف محرج عبارة عن نقطة نظام لأني لم أقم بالتعريف بنفسي، فعدت وقلت له: أسامة مهران المحرر بصحيفة أخبار الخليج البحرينية، ثم عاد وقاطعني: هل أنت مصري؟ أجبته بنعم، ثم سألني بدلاً من أن أسأله، عن الصحيفة التي أعمل بها في مصر، فأجبت ولم أتلعثم: “الأهرام”، ثم أعدت سؤالي عليه، فإذا به يفاجئني بالقول: “والله كلها محصلة بعضها، نحن نخدم القضايا العربية من داخل الجامعة العربية، ومن خارجها”، وأسرار أخرى كثيرة وضعتني في مركز دائرة الضوء، وجعلت مني نجمًا خافتًا قبل الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى