محمود ياسين: مهنة التمثيل ستظل الهواية الوحيدة لي وأكثر أفلام تأثرت بها ليوسف وهبي (حوار)

نشرت مجلة الكواكب حوار صحفيا مع الفنان محمود ياسين يتحدث فيه عن تاريخ حياته، وقصة دخوله الفن.

وقد جاء نص الحوار كالتالي:

محمود ياسين هو أكثر نجوم الشاشة الشبان بريفا وشعبيه، وهو الأقرب إلى جمهور السينما بشخصيته الجدابة، وفنه الصادق.. ولكن، وحتى الآن.

فإن جمهور ياسين غابت عنه الكثير من نواحي شخصية الشاب الذى خلع الروب ليكون محاميا، ولذا كنت فى اللقاءات المتكررة معه أحاول الالمام باكثر من جانب فى شخصيته.

ولقد اكتشف بعد أول لقاء مع محمود ياسين، بأنه مازال الإنسان البسيط المتواضع ورب الأسرة السعيدة الذى يحافظ على تقاليدها.

و لنبدأ الحديث مع محمود ياسين.

أدخلت إلى مدرسة من قال أن الحقوق لم أكن أرى فى نفسى أحب الشهرة وهى أقل لولم أكن ممثلا فى البداية.

أعود إلى ذكريات طفولة محمود ياسين. و أصاله ترى، هل يحلو لك أحيانا أن تداعب ذكريات طفولتك.. ويأخذ نفسا من السيجار الفاخر الذى يمسك به.

ويقول: ـ مرحلة طفواتى لم تكن بالمرحلة المصعبة . ولكنها أيضا لم تكن بالمرحلة الكبار .. وأنا طفل .. تتناقض مع التمثيل؟

قصى ما كنت احلم به لكنت .. ممثلا

الطبيعة أو العادية ذلك أنني من ناحية العلم، لم أبنا كما يبدأ كل طفل.

فقد فوجئت وأنا فى الخامسة من عمرى باهلى وهم يدخلوننى مدرسة فى بور سعيد كان أسمها مدرسة النيل.

وكان هناك سبب واحد لإدخالي إلى هذه المدرسة هو أن أخوتي الكبار كانوا يدرسون فيها.

وكانت الصعوبة بالنسبة لي هى أن المدرسة لم يكن فيها صفوف للصغار الذين هم فى مثل سنى، فكنت أشعر بالغربة فيها، وبأني فى غير مكانى.

وكان طبيعيا أن افشل كطالب وأخلق فى نيل أى نصيب من العلم.

وأمام ذلك نقلت إلى مدرسة نانية تتراوح أعمار طلابها بين الثامنة والتاسعة.

وهنا أيضا لم أستوعب الدروس التى لم تكن تتناسب مع سنى. واضطر والدى أخيرا إلى أن يجد لى مدرسة مناسبة.

وهكذا انتقلت بين ثلاث مدارس فى طفولتي .. ولكي تتضح الصورة أمامى أكثر فقد سألته:

كم هو عدد أخوتك؟

أنا واحد من عشرة أخوة كان ترتيبى السادس بينهم.

وماذا كانت مهنة والدك؟

كان موظفا فى هيئة قناة السويس.

وكيف مشيت بعدئذ على طريق الدراسة الصحيحة؟

كانت خطواتي الأولى مرتكبة على طريق العلم، لأننس لم اتدرج فيها تدرجا طبيعيا.

إنني لم ابدأ من الروضة أو أول الابتدائية، كنت انتقل من صف إلى أخر، أو حتى مدرسة إلى غيرها.

ولا أفهم لماذا انتقل من صف إلى أخر، أو من مدرسة إلى غيرها، ولا أفهم لماذا انتقل من هنا إلى هناك، ولماذا أدخلنى أهلى فى الصف الثانى الإعدادي وليس فى الصف الأول.

وطبعا لم يكن بوسعي فى هذه السن أن أسال لماذا يحدث كل هذا.

وكل ماكنت أعرفه أن بداية حياتى الدراسية لم تكن طبيعية، ويبدو أن الاهل قد أصابهم الملل بعد أن تعبوا فى تربية وتعليم خمسة أولاد، فلم يحسنوا اختيار البداية المناسبة لي وعلى أي حال، فقد بدأت أحس بأنني أسير فى طريق التعليم سيرا طبيعيا بعدما نلت شهادة الإعدادية.

وعشت طفولتك فى بور سعيد؟

أيوه، عشت هناك طفولتي وسط عائلتي، وكان والدى يتقاضى مرتبا جيدا ، ومن هنا لم يكن إنجابه لعشرة أولاد أمرا غيو عادى.

بل كان ذلك سهلا عليه وخصوصا أنه كان يتقاضى من وظيفته فى هيئة قناة السويس مكافأة عن طفل ينجبه.

و إني أذكر بأن والدي كان يطلب دائما منى أن أحضر إفادة من المدرسة بأنني قضيت فيها ثلاث أشهر، ليأخذ مقابلها مبلغا إضافيا على مرتبه، لأن هيئة القناة كانت تدفع نفقات تعلم أبناء موظفيها.

وهل كنت سعيدا فى بور سعيد؟

كنت سعيدا، نعم، فإن الحياة فى بور سعيد كانت سهلة وبسيطة وهادئة.

وكانت خيرات البحر تتدفق عليها، ولم نكن نحس فيها بمشاكل الحياة العصرية.

لا تعانى فيها مثلا متاعب المواصلات، لأن التنقل فيها كان مشيا على الأقدام.

وكانت مدينة لذيذة تجمع بين المصرى و الأجنبى، وكان فيها (حى الأفرنج) و (حى العرب).

والبيئة التى عشت فيها ما هى طبيعتها؟

كانت البيئة التى عشت فيها و ترعرت هى بيئة الأسرة المصرية البسيطة، والتى لا أجد وصفا دقيقا لها سوى وصف (رقيقة الحال) لأنها لم تكن أسرة مترفة غنية يحميها الثراء من مشاكل الحياة، ولا أسرة فقيرة تعاني من الحاجة.

وهل كانت أسرتك متحفظة؟

جدا، وكانت القيم الدينية تسود جو أسرتي، وكل أفرادها يواظبون على تأدية فروض الصلاة فى مواعيدها ، وأيضا كانت أسرة نظامية بكل معنى الكلمة.

ودقيقة خاصة فى الالتزام بمواعيد الأكل والنوم.

وهل مازلت متمسكا بالقيم الدينية..وهل نقلتها من أسرتك الأولى إلى أسرتك الثانية؟

إنني متمسك بالمبادئ والقيم الدينية لأن المرء لابد له من أساس يبنى عليه فضائله و أخلاقياته، وسلوكه، وتصرفاته، وتعامله مع الناس، وليس هناك أفضل من الأساس الديني.

ولابد أن أغرس فى نفوس أولادى إيمانا بالدين وفهما عصريا و متطورا له، وأسرع فى تخطى السنين.

متى أحسست لأول مرة بهوايتك للتمثيل؟

و يتذكر من جديد، كان عندى أخ أكبر منى يصطحبني معه لمشاهدة الأفلام السينمائية.

وفى تلك المرحلة أحسست بأن لدى الرغبة فى التمثيل لأعبر عن ذاتى، و لأقلد الممثلين الذين كنت أراهم فى الأفلام، ويدافع هذه الرغبة اندفعت إلى الاشتراك فى حفلات السمر التى كانت تقيمها فرقة الكشافة فى المدرسة.

وكنت أنا فيها مع زملائي فى الإعدادية، وكنا فى هذه الحفلات نقدم اسكتشات وروايات منوعة، ومع تزايد هوايتي للتمثيل.

تمكنت من تكوين فريق تمثيل فى المدرسة الإعدادية، ما لبث بعض الأساتذة أن اشتركوا فيه .

هل تذكر ماهي أول أفلام شاهدتها وتأثرت بها؟

لا أذكر ماهى هذه الأفلام على وجه التحديد، ولكن الأفلام التى تأترت بها أكثر من سواها هى أفلام الأستاذ يوسف وهبي لأنها كانت مليئة بالأحداث.

وكيف تطورت هوايتك للتمثيل بعد ذلك؟

بقيت هواية التمثيل متأصلة فى نفسى عندما انتقلت إلى مرحلة وعلى مقاعد الدراسة جمعت نفس الهواية الفنية بينى وبين سمير عصفور (المخرج المسرحى حاليا) فكونا معا فرقة تمثيلة مدرسة، و رحنا نقدم رواية أثر رواية فى مسرح المدرسة، إلى أن تخرج هو وانتقل إلى الجامعة.

ومضيت أنا أقدم المسرحيات وانتى بمن يخرجها، إلى أن انتهيت من الدراسة الثانوية وأثرت أن أدرس الحقوق فى جامعة القاهرة لأكون على مقربة من المسارح الكبيرة التى كنت أسمع و أقرأ عنها.

ولكن لماذا اخترت دراسة الحقوق وهى بعيدة تماما عن التمثيل الذى هو هوايتك؟

إن الحقوق تبدو لأول وهلة متناقضة مع التمثيل، ولكنها ليست كذلك فى الواقع، فهى تتيح الفرصة لدراسات إنسانية واسعة وشاملة، فى الاقتصاد، وفى العلوم السياسية وفى التشريعات الإسلامية وغيرها.

ثم هناك قانون العقوبات الذى استندت اليه وانا أتخصص فى مادة اسمها (علم الأجرام) وهى تعتمد على الدراسة النفسية والتحليل العلمى.

وفى تصوري أن الممثل لابد أن يستوعب كل هذه العلوم لكي يعيش الشخصيات التى يمثلها، وإلا فإن موهبته تكون على قدر من السطحية و الضالة.

متى كانت أول تجربة لك كممثل محترف؟

كنت فى السنة الجامعية الثالثة وقرأت فى الصحف عن امتحان أعلن عنه المسرح القومي لقبول ممثلين جدد واشترط أن يكون المتقدمون إلى هذا الامتحان من خريجى الجامعات.

وقد كذبت على لجنة الامتحان وقلت لهم أنى تخرجت من الجامعة بينما كان أمامي سنة جامعية رابعة.

و (مشيت الكذبة) وعينت ممثلا فى المسرح القومى فى أكتوبر ( تشرين الأول ) عام 1963.

واشتركت فى تمثيل مسرحية (الندم) إخراج سعد أردش.

لماذا اخترت أن تكون تجربتك الأولى فى المسرح وليس فى السينما؟

عمري ما تصورت أن أكون ممثلا سينمائيا، كان طموحي كله يتجه إلى المسرح العظيم صلاح سرحان (رحمه الله..أما السبب فى أن حكاية السينما لم تكن تخطر لى على بال، فهي تعود إلى أنني أرى فى نفسى الؤهلات التى يجب توافرها فى النجم السينمائى، كان يكون جميلا وعنده جارسونيره، ويعيش فى أجواء الصخب.

وفضلا عن ذلك فإن ما جعلنى أرفض السينما قبل أن ترفضني هو أنى كنت أرى فى العديد من الأفلام رخصا وسطحية، واستخفافا بعقول الناس، بينما كان المسرح بالنسبة لى هو عالم الخصب الأدبى، والرقى الفكرى، والفن الرفيع.

كم سنه عشت على المسرح؟

فى عام 1962 كنت ممثلا ثانويا جدا فى مسارح التلفزيون، ثم انتقلت فى عام 1963 إلى المسرح القومى الذى ظللت علاقتي به قائمة حتى عام 1976، وكانت أخر مسرحياتى التى مثلتها معه مسرحية عودة الغائب).

و كان ذلك عندما رآني المخرج حسين كمال أمثل دوري فى مسرحية (سليما الحلبى) وكانت شخصية (الراوى) فرشحنى لدور صغير فى فيلم (شئ من الخوف).

ثم أسند إلى بعد ذلك دور البطولة فى فيلم (نحن لا نزرع الشوك).

و أقنعك بسهولة بأن تتحول من ممثل مسرحي إلى ممثل سينمائى؟

أبدا، لقد رفضت فى البداية أن اتحول إلى ممثل سينمائى، ولم يكن لهذا الرفض من معنى سوى تصوري بأنني يجب أن أرفض السينما بدلا من أن ترفضني.

ولكنى فيما بعد اقتنعت بأنه ليس هناك مواصفات ثابتة و معينة للممثل السينمائى، وأن السينما بدأت تظهر فى أفلامها نجوما لا يختلفون فى الشكل عن الناس العادين الذين نراهم فى بيوتنا، و مجتمعاتنا، وفى الطريق، أو المقهى، أو الأتوبيس.

يعنى .. تغيرت نظرتك للسينما؟

أنا غيرت من نظرتي إلى السينما، عندما رأيت أن المخرجين السينمائيين قد غيروا من نظرتهم إلى مواصفات النجم السينمائى.

وكنت راضيا عن نفسك عندما ظهرت على الشاشة؟

لم أحس بالغربة عن المسرح عندما كنت أمثل دورى الصغير فى فيلم (شئ من الخوف) فقد كان معى فى هذا الفيلم الرفاق المسرحيون مثل محمد توفيق، وصلاح قابيل، فأحسست بأن المخرج يتعامل مع الفنانين وليس مع أصحاب الأسماء البراقة، وطبعا، كانت هذه بداية الاستمرار كممثل سينمائى.

وهكذا رأيت نفسى بطلا لفيلم (نحن لانزرع الشوك) وقبله كنت قد ارتبطت بعقد احتكار مع المنتج رمسيس نجيب رحمه الله ) لتمثيل دور البطولة فى فيلمى (الخيط الرفيع) و (أختي).

وصادف أنهما من تأليف إحسان عبد القدوس وإخراج هندى بركات.

محمود ياسين قفزت من المسرح إلى السينما وأصبحت فيها النجم الأول فما هو التأثير الذى تركته الشهرة على نفسيتك؟

الشهرة جميلة وممتعة بدون شك، ولست أنكر أبدا أني أكون فى غاية السعادة عندما يشير إلى الناس و يذكروا اسمى.

إن الشهرة ترضيني، ولا أضيق بها أبدا إنها أقصى ما كنت أحلم به.

ولكن الشهرة جعلتنى أضع على نفسى بعض القيود فهناك أماكن لم يعد يجوز لى أن أتردد عليها.

ولابد لى من أن أحافظ على السلوك الذى يتفق ومسؤولية المهنة، وابتعد عن كل ما يثير الغمز واللمز حولى.

فأن يكون الإنسان مشهورا، فذلك يدعوه إلى أن يحترم شهرته النابعة أولا من تقدير وحب الناس له، وفوق ذلك فلابد للفنان المشهور من أن يرد على كل مجاملة باحسن منها، ولا يتعالى أو يتغطرس أو يتصرف بغرور.

هل تغيرت أنت بالنسبة لمن كنت تعرفهم قبل الشهرة؟

الذين يعرفونني من زمان يعرفون تماما بأنى لم أتغير، وهم أيضا لم يتغيروا معى.

إن علاقتى بكل الأصدقاء القدامى هى علاقة حب و ألفة ومودة ، وأنا أبحث و أسال دائما عنهم وبعض الاصدقاء الذين كنت أعرفهم قبل الشهرة ابتعدوا عنى بعدما داخلهم الوهم بأنى قد اتغير أو أتنكر لأصدقائي.

ولكن الذين عادوا و اقتربوا منى جيدا أدركوا أنهم على خطأ، وإنى مازلت وفيا لأصداقائى و محبا لأصدقائي.

أى مهنة كان سيتجه إليها محمود ياسين لو لم يقدر له أن ينجح كممثل سينمائى؟

برضة مهنة التمثيل لأنها كانت وستظل الهواية الوحيدة لى ولو لم اشتهر سينمائيا بقيت ممثلا مسرحيا، مثلى كل الذين بقوا فى المسرح بالرغم من أنه لم يوفر لهم أى قدر من الشهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى