الشيخ أشرف محمد محسن يكتب: بل أحياء

إذا كان الموت هو نهاية الأجسام فإنه لا ينهى حياة الحى – كل الحى – على الحقيقة، إنما هو لبعض الناس ذهاب الروح، وانتقال الجسد إلى البرزخ، ولكن تبقى حياتهم شاخصة على الحقيقة فى بقاء مهمات عاشوا من أجلها.

وإذا كان الله نهانا أن نقول أن المقتول فى سبيل الله ميت، بل أكد على حياته [ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن یُقۡتَلُ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰ⁠تُۢۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءࣱ ] فهو نهى صريح فى أن نسمى المقتول فى سبيل الله أنه قد مات، بل نقول إنه حىٌّ حياة حقيقية، لكنها هناك فى الجنة عند رب العالمين، وهذا صنف من أولئك الأحياء.

وأصناف أخرى كثيرة تعيش معنا بعقولها وقلوبها وأفكارها ومواقفها، حتى لو غابت أجسادهم وجسومهم وصورتهم عنا، فهم شاخصون بما تركوا وبما أثروا وبما غيروا.

منهم علماء وأدباء ومفكرون وزعماء وشعراء….الخ من هذا الصنف الذى وإن مات بجسده لهو شاخص بما ترك فينا، انظر إلى هؤلاء العلماء الذين ماتوا من قرون، واكلت الأرض أجسامهم، ونحن اليوم نتفق ونختلف ونحاسب أقوالهم ونتعلم منها، نوالى بعضهم ونختلف مع بعضهم، نناقش أقوالهم ونرد عليها، بل ربما نعيش بل نحن فى الحقيقة نعيش على بعض إنتاجهم، وأحيانا نتبعهم فى الخطأ والصواب.

أولئك الفاتحون الشجعان الذين فتحوا البلاد فأشاعوا فيها العدل ونشروا فيها رسالة الإسلام حتى تغيرت لغة هذه البلاد وسلوكياتهم، وربما مات هؤلاء الفاتحون على أسرتهم ونحن نعيش فى تلك الأض التى فتحوها، نعتنق ذلك الدين العظيم الذى بلغونا إياه.

أولئك الشعراء والأدباء الذين ضبطوا ألسنتنا بلغتنا شعرا ونثرا وأقولا تروى وحكم، نستمتع بشعرهم ونتدبره ونقضى الليالى فى فهم قصائدهم وتحليل معانيها ومبانيها وغير ذلك من هذا الكلام العذب الذى يحمل من الحكمة والبلاغة ما يحمل.

هل يسمى كل هؤلاء الناس أمواتا، لا بل هم أحياء بآثارهم وأفكارهم ومواقفهم وما تركوا، وإذا كان طول عمر الإنسان يقاس بما عاش من السنين فإن عرض عمره يقاس بمآثره وعلومه وفنونه وما أفاد من بعده.

فنعم قد ماتوا بأجسامهم لكن اعمالهم باقية، وفى ذلك المعنى قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو له ) فهؤلاء أموات ما تزال صحيفة اعمالهم تُكتب فيها الحسنات، وما تزال مآثرهم بعد موتهم تعمل عملها كأنهم أحياء