الشيخ أشرف محسن يكتب: بالشرع أم بالعقل؟

هذا سؤال من أسئلة كثيرة متعلقة بفهمنا وعقولنا، الأصل أن يكون هذا السؤال قريب من الفهم بعيد عن المغالطة وبعيد عن التنطع وكذلك بعيد عن التشدد، إن العقل والشرع قسيمان، وهما غير متناقضان، بل فى غاية التكامل، وليست هناك ازدواجية هنا فى الفهم، بل هذا هو واقع الحال.

للعقل مجاله الذى يقدم فيه وللشرع مجاله الذى يقدم فيه، فمثلا سؤال: هل عرفنا الله بالشرع أم بالعقل؟ إجابته مزدوجة، فإما أن يكون السائل يتكلم عن وجود الله تعالى، مجرد وجوده، فإنا عرفنا أن الله موجود بالعقل من قبل الشرع، بدلالاته على نفسه، وبآياته فى خلقه، والفطرة التى خلق الله عليها الخلق، هذا فى أصل الوجود، فهنا نقول: أننا عرفنا الله بالعقل، أما معرفة الله بأسمائه وصفاته، فقد عرفناه بالشرع يقينا، وليس لنا ولا لغيرنا أن نتصور إجابة غير هذا، لأن معرفة ذات الله تعالى لم يدلنا عليها إلا الله، فهذ غيب لا يمكن لأحد الاطلاع عليه حتى الملائكة حملة العرش يؤمنون بالله ولم يروه فإنه تعالى يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار.

وإذا فإذا كان للعقل مجال يعمل فيه حتى فى معرفة الخالق كذلك للشرع مجال يعمل فيه وهو المعرفة التى أخبرنا الله تعالى بها.

هذه الدنيا التى نعيش فيها وعليها، لم يتركنا الشرع نهبا لعقولنا إذ العقول تتفاوت فى الإدراك، والنفوس تتفاوت فى الأهواء، ولا يتفق اثنان فى العالم على كل شىء، ولكن الخلاف حادث لا محالة بينهم، فزعم أن العقل وحده قادر على أن يعرف النافع فيعمله وأن يعرف الضار فيجتنبه، فهذا مستحيل على العقول معرفتها على الحقيقة، وإنما تعرف ذلك بالظن الغالب، هذا إذا خلت المعرفة من هوى، وبما أن الشرع متكامل عندنا، فلم يترك الناس فى الدنيا وشأنهم يفعلون ما يحلو لهم.

فقد ضبط الشرع حياة الناس ولو بكليات تضبط التفكير والأخذ والترك، فمن ذلك أن الإسلام جاء بنظام كلى يضبط الحروب والمنازعات، وتكلم عن الحروب وعن الجهاد والسلاح وآلة الحرب، لكن وسع للناس فى آلة الحرب اهى بالسيف أم بالرمح أم بالطائرة والدبابة، ولكنه تكلم عن آداب عامة للحرب والجريج والأسير والنساء والأطفال، وترك بابا واسعا للقائد أو للحاكم فى المعاهدات والصلح وغيرها مع ضبط المعنى العام لهذه الأمور، فأمر بالإحسان إلى الأسير، وعدم الإجهاز على جريح، وغير ذلك من الأمور، فهاهنا للشرع مجاله وللاجتهاد والعقل مجاله.

وأما فى ناحية أخرى فإن الواقع أن هناك ثوابت شرعية كثيرة تضبط تفكير الناس وما يأخذون وما يدعون، هناك بدهيات شرعية الواجب أن تكون بدهية عقلية، منها من خلق الإنسان؟ هل هى الطبيعة ثم تطور الأنسان عبر،ملايين السنين حتى صار على شكلة هذا؟ أم هو خلق الله وفيه نفخة من روح الله؟ هنا الشرع حسم مثل هذا الخلاف، فهى بديهة شرعية كان الأجدر بها أن تكون بديهة عقلية لولا ضعف أو قلة أو انعدام إيمان الناس أو بعضهم.
ماذا بعد الموت؟ مع أنا نرى أن العدل لا يتحقق فى دنيا الناس، فالعقل محتاج أن يؤمن أن هناك جزاء بعد هذه الدنيا حتى يتحقق فيها العدل، هذه بديهة شرعية كان الأجدر بها أن تكون بديهة عقلية، وغيرها الكثير من مثل هذه المسائل.

ومسألة أخرى، هل الشرع والعقل يتناقضان؟ هذه أيضا مسألة من الخطورة بمكان، والحق فيها أنهما لا يختلفان اختلاف تضاد، وإنما هو تكامل ما بين الشرع والعقل، فليس هناك سؤال يقول: لو تعارض الشرع مع العقل، فماذا نقدم؟ هذا سؤال باطل يدل عل ضعف عقل قائمة. وعلى ضعف علمه بل ويدل على جهله، فإن الشرع والعقل لا يختلفان، فلا يختلف عقل صحيح مع شرع صحيح، فإما أن القضية عقليا باطلة، أو أنها لم تصح شرعا، أو أنها غير صريحة شرعا فى المسألة.

وإذا فبطل السؤال، بالشرع أم بالعقل؟ فإن الشرع والعقل متكاملان، فالشرع يضبط مسار العقل، والعقل نفهم به مسار الشرع