أحمد فرحات يكتب: أنفاس مستعملة
“أنفاس مستعملة “مجموعة قصصية للكاتبة غادة صلاح الدين، تثير فضول القارئ، وتجذب انتباهه، وتشغل حيزا من شغفه، لمعرفة التفاصيل المنبعثة من مضامين جزئيات العمل القصصي. فكل قصة من المجموعة تضيف بعدا واقعيا اجتماعيا معيشا مع شخصيات فاعلة نامية متطورة من قلب الواقع المعاصر.
وأول ما يلفت انتباه القارئ شغفه وفضوله البارز في العتبات النصية لغلاف المجموعة حيث يشير اللون الأسود (خلفية الغلاف) من جانب الصدارة فقط أما ظهر الغلاف فله خلفية برتقالية اللون تميل إلى الاحمرار. ولعلنا ندرك من الألوان أن اللون الأسود بدلالته الفنية يعني القتامة والاكتئاب والشر والسلبية والغموض والعمق والتحدي ..
وهذه هي أنماط الشخصيات في المجموعة حيث تتحرك الشخصيات في فضاء عدواني يفتقر إلى الحميمية ولا ترسم المعالم النفسية وتعطي الأولوية للأشياء كرد فعل ضد التغريب والتمزق والقلق والحيرة الذي يؤدي إلى العجز وعدم القدرة على الفعل. وفي قصة أنفاس مستعملة تتطور التجربة وتتناول القاصة قصية من أخطر الأمور حساسية، عندما يعلم الزوج بخيانة زوجته ويواجهما وتطلب منه إما قبول لأمر أو تسريحها، فلا يقوى على التسريح فيعزمه العشيق على وجبة عشاء في أفخم المطاعم.. وفي هذا الأمر يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ﻋﻦ ابن ﻋﺒﺎﺱ ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﻗﺎﻝ:
(ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﺍﻣﺮﺃتي ﻻ ﺗمنع ﻳﺪ ﻻﻣﺲ ؟ ﻗﺎﻝ : غربها . ﻗﺎﻝ: ( أخاف أن تتبعها نفسي؟ قال: فاستمتع بها) وهذا يعني أن قصتها تعكس سوداوية الحياة وظروفها الغامضة ..
والشيء بالشيء يذكر فقد غفلت الكاتبة في ترسيم شخصياتها من حيث موقعها الاجتماعي أو تركيبها النفسي وإنما نظرت إليها كعامل له دور في إنتاج الدلالة فعن طريقها تتشكل الأحداث وإطار السرد وتتداخل الملفوظات.فالشخصيات ذاتطابع
الانكسار،الاغتراب،العبثية..إنها شخصيات شبحية، منفعلة، مسلوبة الإرادة، مأزومة، مرتعشة..
المرأة المنقبة والشيخ معتصم في قصة”أسانسير المنقبات” أو الحاج عبد الرحمن في قصة بنت لطفي أو شخصية هناء ذات الخمس والستين عاما أو مغاوري الحاج الذي عاد من رحلة الحج في قصة الورقة الممهورة.. كلها شخصيات تتحرك في فضاء غير حميمي، عدواني، يشوبها القلق والتوتر النفسي.
وثمة شخصيات تميل إلى الواقعية السحرية أو العجائبية، في قصة”مرزوق ة، أو بطلة قصة ” دائرة لم تكتمل” فالعجائبي يخلق قونين خاصة جديدة لا صلة لها بالقوانين المرجعية الطبيعية وفي خلق شخصية عجائبية إثارة وتشويق جليين.
أما الفضاء المكاني فلم يعد مجرد ديكور أو إطار شكلي بل أصبح عند الكاتبة قيمة لغوية مهمة، يسهم بفاعلية في بلورة وتشييد عالم المعنى.
تأمل: في الميدان الكبير جلس المواطن على كرسيه في مقهى (أصحاب الجنة) بحي السيدة زينب يتأمل حركة المارة المختلطة بأصوات الخراف القدمة من بعيد، مرت به سيارات نقل محملة بأحجام وألوان شتى من المواشي، في حراسة رجال أشداء تعرفهم من وجوههم وملامحمهم القاسية، وقد يمموا وجوههم شطر المدبح”. قصة بلاغ كاذب ..
وعلى العكس من ذلك فقد يكون الفضاء المكاني مفعما بالغموض والقلق والتوتر تأمل قولها: خرج من عالمه إلى عالم أكثر اتساعا تأمل تفاصيل الشارع الذي حفظه عن ظهر قلب، لفت انتباهه شيء غريب وسؤال وقع في خاطره: ما باله تحول لامرأة جذابة، تتمايل يمنة ويسرة في رشاقة ، استغفر الله واستعاذ من الشيطان الرجيم”. من قصة مرزوق ة..
ويبدو أن الاهتمام القوي بالمضامين الفكرية والأنساق المرجعية دون أن تعطي الجوانب الفنية الأهمية الكافية مما أوقعها في بعض الجوانب الخطابية والوعظية ولا سيما في نهايات القصص، تأمل هذه النهايات:
يبقى أن أشير إلى أن القارئ عند الساردة لم يعد مستهلكا للنص، بل أصبح مطالبا بملء البياض الدلالي والمساهمة في صناعة وبلورة العالم الرمزي والبنائي..