د. أحمد لطفي يكتب: حقوق الإنسان في الإسلام والتعامل مع الآخر

أعطى الإسلام تصوره المتكامل لمسألة حقوق الإنسان، ولم يترك جانباً من جوانبها إلا ونظمه بدقةٍ بالغة، وطبق المسلمون هذا المنهج في عصور الإسلام المتتابعة، إلا أن تطور المجتمعات والتقدم الهائل في شتى مناحي الحياة،أظهر أموراً  جديدةً عملت على الحد من التطبيق الصحيح أو الفعلي لحقوق الإنسان، وبالتالي صار الوضع العام لممارسات حقوق الإنسان غير مرضٍ، بل صار في بعض بلدان العالم منعدماً، مما يوحي بتردي الأوضاع الإنسانية،فما يرتكب اليوم في العالم من مجازر وانتهاكات دليل يدحض تلك المزاعم التي يزعمها الغرب في محاربتهم للاعتداء على حقوق الإنسان، وأنهم يعملون ليل نهار على حفظها واحترامها، وإحلال الأمن والأمان في شتى ربوع الأرض.

وبما أن الإسلام دين تميز بالعالمية، فإنه عند تقريره لحقوق الإنسان لم يعترف بالحدود المكانية، بل تجاوز النطاق المكاني، فلم يجعل تلك الحقوق منوطة بهؤلاء المقيمين على أرض الإسلام فقط ؛ سواء أكانوا مسلمين أم كانوا غير مسلمين، بل امتد هذا التقرير إلى المسلمين القاطنين في الدول غير الإسلامية، والذين يطلق عليهم الأقليات.

والأقلية عموماً هي : جماعة فرعية تعيش بين جماعة أكبر،وتكون مجتمعاً تربطه ملامح تميزه عن المحيط الاجتماعي حوله، وتَعٌدٌ نفسها مجتمعاً يعاني من تسلط مجموعة تتمتع بمنزلةٍ اجتماعيةٍ أعلى وامتيازات أعظم، تهدف إلى حرمان الأقلية من ممارسةٍ كاملة لمختلف صنوف الأنشطة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، بل تجعل لها دوراً محدداً في مجتمع الأغلبية

والأقليات الإسلامية هي كل مجموعة بشرية تعيش بين مجموعة أكبر منها، وتختلف عنها بكونها تنتمي إلى الإسلام، وتحاول بكل جهدها الحفاظ عليه.

والأقليات المسلمة في العالم اليوم صارت عدداً لا بأس به،ولا يمكن الاستهانة به، حيث أوصلهم بعض الباحثين إلى قرابة نصف عدد المسلمين في العالم، وأوصلهم البعض الآخر إلى ثلث عدد المسلمين

وتواجه تلك الأقليات العديد من التحديات والمخاطر التي تؤدى إلى إيقاعهم في بعض الحرج والمشقة، من هذه التحديات ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي، وقد كفل الإسلام للأقليات المسلمة حقوقاً عديدة، فإضافة إلى الحقوق العامة التي قررها الإسلام لبني البشر زاد من الحقوق المتعلقة بالأقليات، وأهم ما ميزهم به الإسلام هو التيسير في الأحكام الفقهية نوعاً ما.

وقد نظر الإسلام إلى الأقليات المسلمة نظرة إنسانية، فقرر لهم من الحقوق ما يحفظ عليهم إنسانيتهم وكرامتهم، ثم راعى الإسلام وجودهم في بلادٍ غير مسلمة، الأمر الذي قد يجعلهم يتعرضون لنوعٍ من التضييق عليهم، خاصةً فيالعصر الحاضر الذي صار الغرب ينظر إلى المسلمين على أنهم أعداء، ويجب القضاء عليهم والتخلص منهم.

ويمكن تحديد القواعد التي أرساها الإسلام في تقرير حقوق الأقليات فيما يلي :

أولاً : وحدة الأصل الإنساني، ومراعاة قواعد الترابط بين بني البشر، امتثالاً لقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ “.

ثانياً : وحدة الدين : وقد نوع القرآن في تعبيره عن ذلك،فتارةً يعبر عنه تعبيراً عاماً، وتارةً يعتبر أن الإسلام هو ملة إبراهيم، وتارةً ينبه أهل الكتاب إلى الكلمة السواء بينهم وبين المسلمين، وتارةً أخرى يوسع الدائرة، بحيث يشمل غير اليهود والنصارى والصابئين.

ثالثاً : سنة التنوع : وهي سنة كونية، وإلا لما كان هناك اختلاف، وكان الكل أمةً واحدة، قال تعالى ” وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون “.

رابعاً : رفض كل أنواع التمييز والعنصرية، وإهدارها بكافة أشكالها وصورها، وهو المبدأ الذي أعلنه الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة في خطبة الوداع، حيث قال : ” يا أيها الناس إن ربكم واحد، وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربيٍ على عجميٍ، ولا لعجميٍ على عربيٍ، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى “.

خامساً : المواطنة : وهي مبدأ إسلامي رئيس، أقره الإسلام قبل الهجرة حين ضم بلالاً وصهيباً، ومن آمن بعد ذلك إلى دائرة الإسلام مع اختلاف أصولهم العرفية، مقرراً بذلك علو الانتماء الديني على غيره من الانتماءات الأخرى.

وبعد الهجرة تأكد استقلال كل من الانتماء العرفي والانتماء الديني عن الانتماء السياسي، وكان ذلك في الوثيقة التي نظمت الحياة بين المهاجرين والأنصار في المدينة، حيث نصت هذه الوثيقة على أن يهود بني عوف أمةً مع المسلمين،لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، أن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، أي الذميين بلغة الفقهاء من أهل دار الإسلام، وبالتالي فالانتماء السياسي – المواطنة – يضم أجناساً مختلفة، فتكون أقليات عرقية ولغوية وأديان مختلفة، فتكون أقليات دينية، ويبقى الرباط السياسي هو المواطنة .

بقلم: أ.د أحمد محمد لطفي، عميد كلية الشريعة والقانون بتفهنا- الأشراف – دقهلية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى