إحسان عبد القدوس: اتهمونى بأني كاتب جنس وللست غاضبًا (حوار)

 

نشرت مجلة الكواكب حوار صحفياً مع الكاتب إحسان عبد القدوس، بعنوان “إحسان يتكلم في القبلة والجنس وعبد الحليم”.

وجاء نص الحوار كالتالي:

ليس هذا بغريب أو جديد على الحاقدين والحاسدين والفاشلين ، ولست أول من أنهم بهذا الاتهام ، فقد تعرض لذلك من قبلى الأستاذ توفيق الحكيم، وكل الكتاب الذين حاولوا التطور بالادب من اللاسيكية الى الواقعية، حتى كتاب الغرب انفعهم مثل بلزاك وموباسان وهوجو لم يسلموا من مثل هذا الاتهام، وعندما كتبت قصة (لا أنام) ونجحت، قام الحاسدون والحاقدون ودقوا الطبول وهاجمونى واتهمونى باثارة الغرائز ، وأرجعوا هذا النجاح الذى لاقته القصة الى (الجنس)، فقد حاولوا أن يعثروا على ثغرة واحدة ليتغذوا منها لنقد القصة، ولما فشلوا و أعياهم البحث قالوا: الجنس، الإباحية، الخروج على التقاليد
أن فى القصة دراسة للجنس فى بعض افقها هذا حق، وكان لزاما على ألا أهرب من رأى هؤلاء الكتاب الكبار) وسكت قليلا ليشعل سيجارة ثانية واستطرد يقول

أما هؤلاء الحاسدون و الحاقدون فكانوا قد قرروا أن يمضوا فى اتهامهم لي بأنني أكتب عن الجنس لا ثير الغرائز وأن سبب نجاح قصصي يعود إلى الجنس) ولكن عندما كتبت قصة (فى بيتنا رجل) ولم أضمنها حتى قيلة واحدة أو حركة تثير، سكتوا ولم يتكلموا ولم يتهموا، ولم أسمع أحدهم يقول أننى كاتب جنسى، واعترفوا بالنجاح دون (جنس).

وأنا لست غاضبا من هذا الاتهام، إنما أنا بابتسامته الطيبة المرحة التى لا تفارق شفتيه، حتى فى أدق المواقف و أحرج الظروف، استقبلني إحسان عبد القدوس عندها زرته فى منزله فى الأسبوع الماضى، وتحدثنا فى اكثر من موضوع ، وكان صريحا فى حديثه كعهدنا وعهد قرائه به.

يتهمونك بأنك كاتب جنسى، فى قصصك تثير غرائز المراهقين والمراهقات ، فما رأيك فى هذا؟

تحليل هذه المواقف ، ودراسة الجنس واجب من أهم واجبات الكاتب، فليس له أن يهرب من الموضوع بل يواجهه بشجاعة لان له تاثيرا فعليا على أبطال القصة لايستطيع أن يتجاهله وانا أكتب قصة (لا أنام) طلبت اجتماع الاباء، وكان فيهم الدكتور طه حسين، وتوفيق الحكيم ، ويوسف السباعى، وغيرهم من أعضاء جمعية الادباء وطلبت منهم أن يقولوا رأيهم، وأصروا جمعيهم على أنها قصة من الأدب الرفيع.

وكتب توفيق الحكيم مقالة طويلة عن القصة نفى فيها عنها إنها جنسية وقال أنها من الادب الواقعى، وانا يكفينى ( شمتان فى احساد، ثم أن الذين يدعون ذلك غير مخلصين للادب وغير دارسين له فهم جهلة.

إننى لا أتصور أن أجلس الى لأكتب قصة حب.

وأقول أن الحبيب جلس إلى جوار حبيبته وقال لها شعرا أو همس فى أذنها نثرا، هذا كلام فارغ وغير معقول، كان هذا فى العصور القديمة أيام (قيس وليلى) و روميو وجولييت) ، أيام الحب الخيالي، إنني اليوم لا يمكن إلا أن أكتب الواقع:

الحبيب جلس إلى جوار حبيبته وقبلها.

فهل أخطأت ، هذا حقيقى ويحدث ، قولوا اذا للجهة أن يتواروا خجلا.

أى النوعين تفضل السياسة أم القصص؟

ليس هناك من تفضيل عندى.

فأنا أكتب بإحسان وداوفع ولا أتعمد الكتابة فى أيهما فإذا تنبه احساسي لموضوع سياسى كتبت فيه وإذا تنبه أحساسى لموضوع أدبي كتبت فيه وعلى هذا فلا خيار عندى ولا تفضيل.

طرقت فى كتاباتك كل الموضوعات وكل الألوان ولكنك لم تكتب أغنية، ألا تستطيع تأليف الأغانى؟

كنت فى مستهل حياتى أكتب الزجل، ولكن والدتى يرحمها الله ، منعتني من الاستمرار فى كتابته ، إذ كان والدى من هواة كتابة الزجل .

ومنذ ذلك التاريخ لم أكرر المحاولة لكتابة الزجل ، ولم أفكر فى كتابة الاغنية ، الا اننى فى العام الماضى اقترحت على عبدالوهاب وعلى عبد الحليم حافظ نوعا جديدا من الأغانى، وهى القصة، أكتب قصصا صغيرة جدا فى جمل قصيرة، وتكون فكرة أو حكاية، ولا تتقيد بالقافية أو الوزن، على أن يلحنها عبد الوهاب ويغنيها عبد الحليم ورحب كلاهما بالفكرة، واستعجلانى تنفيذها، ولكنى لم أبدا بعد فى كتابة هذا اللون من الأغانى، وربما بدأت كتابتها فى القريب، ومن هذا الحيز الضيق الخانق الذى تعيش وتدور فيه الاغنية، حيز اللون العاطفى الواحد الممل، لابد من التجديد.

بمناسبة الحديث عن الأغنية وعن عبد الوهاب ما رأيك فى اغنية عربية التى كتبها كامل الشناوى ولحنها وغناها عبدالوهاب؟

لقد قلت أن كامل الشناوى شاعر عبقرى ، وعبد الوهاب ملحن عبقرى، ولكن العبقريتين لم تلتقيا فى (أغنية عربية) ، لقد كان كامل فى الشرق وعبد الوهاب فى الغرب.

وهذا لا ينفى إعجابي بالأغنية، فالواقع أن كامل الشناوى كان معبرا تعبيرا صادقا عن حالة الثورة العربية ، لم يقصد بتعبيره أى مكان آخر أو أية ثورة أخرى.

إنما كان يعبر عن ثورات أجنبية، فعندما نسمع المقدمة بهيا لك انك تسمع حكاية الثورة البولونية أو غيرها من الثورات الاجنبية المعروفة، لقد كان أقرب الى فاجنر منه إلى التعبير عن الثورة العربية فى أغنية عربية تعبر عن ثورة عربية خالصة، هذا ما قصدته بأن عبد الوهاب كان فى الغرب و كامل كان فى الشرق.

وأنا بقولي هذا إحسان يرى أن ظهور عبدالحليم حافظ قد أوجد حركة ونشاطا فى الوسط الغنائى لست من المعارضين لاقتباسات عبد الوهاب للجمل الموسيقية الأجنبية، ولكن على شرط أن يضعها فى مكانها لا مجرد حشر.

هل تعتقد أن أم كلثوم ستغني لعبد الوهاب يوما ما؟

ولا فى المنام ، لان أم كلثوم ذكية، وتعرف ما فى هذا خطورة على شخصيتها و كيانها كمطربة الشرق الأولى، وهى تدافع عن نفسها برفضها الغناء لعبد الوهاب، تدافع عن أستقلالها وكيانها من احتلال عبدالوهاب، فهى تعرف أن عبدالوهاب ملحن استعماري، يستعمر الأصوات التى يلحن لها فاو لحن لها عبدالوهاب فلن تستطيع أن تغنى لغيره بعد ذلك، فتضيع، وتذهب سمعتها وهيبتها أن لأحد غيره، فأم كلثوم فى امتناعها عن غناء الحان عبدالوهاب تدافع عن استقلالها.

وذلك يرجع طبعا الى ذكاء أم كلثوم وقوة شخصيتها.

هل ظهور عبدالحليم حافظ فى ميدان الغناء، أثر على المطربين؟

لاشك أن ظهور عبدالحليم ونجاحه السريع الضخم فى ميدان الغناء قد أوجد حركة نشاط كبيرة فى الوسط الغنائى، ودائما تتبع نجاح فكرة أو شخص، حركة نشاط واسعة ، فلا شك ان عبد الوهاب اصبح انشط من ذى قبل، وكذلك فريد الأطرش وبقية المطربين، وأصبحت المسالة مسألة دفاع عن النفس من خطر النجاح الجديد بظهور عبدالحليم فى الميدان.

هل يرجع نجاح عبدالحليم إلى حلاوة صوته أو قوة الألحان التي أداها؟

عبد الحليم مطرب موهوب، صوته معبر وحساس، وكان لا يطمع فى أكثر من ألحان تخرج هذا الصوت الجميل، ولما وجدت الألحان الجميلة التى قدمها الطويل، و الموجي، نجح عبد الحليم.

ومن هذا أستطيع أن أقول أن صوت عبدالحليم والالحان مكملان لبعضهما فى نجاح عبدالوهاب.

ينوى عبدالحليم الظهور فى فيلم (بيتنا رجل)، قصتك، كممثل فقط دون أن يغنى، فهل تعتقد أن الجمهور سيقبل ذلك من عبدالحليم، وهل ينجح أو يفشل؟

كنت أنا صاحب فكرة نزول عبدالحليم الى ميدان التمثيل فقط دون الغناء ، فقد سبقه فى ذلك فرانك سيناترا مطرب أمريكا المشور، ونجح كممثل نجاحا كبيرا، وقبله الجمهور بالإعجاب، ولقد رحب عبدالحليم بالفكرة، ولكن عبد الوهاب احد أصحاب الانتاج رفض ان يجازف بذلك.

وأعتبر أن الجمهور لايرغب فى عبدالحليم الممثل بل يطلب عبدالحليم المطرب، فهو لا يؤمن به إلا كمطرب فقط، ولن يستسيغ أن يراه يمثل دون أن يسمعه يغنى إحدى الاغنيات، أما بركات الشريك الثانى فقد وافق، والأمر الآن يتوقف على عبد الحليم نفسه، هل عنده الاستعداد للتمثيل فقط دون الغناء أم لا

هل تتصور ان تخلو قصص أفلامنا من الحب؟

طبعا لا، ففى كل الافلام فى جميع بقاع الدنيا يوجد الحب فى أفلام الجريمة والعنف، نجد الحب ، فالحب مختلف الالوان والصور، وكلمة حب أكبر من ان تحدد، فالوطنية حب، والبطولة حب، والإنسانية نفسها حب، وحتى المبادئ السياسية اليوم أصبحت حبا، فالحياد الايجابى حب، لأنه يرمى إلى السلام، والاتحاد القومى حب، الحب لا يقتصر فقط على هذه العاطفة المتبادلة بين فردين، الحب أوسع من هذا يكثر، حب المجموع، العمل لصالح المجموع حب، العمل للإنسانية نفسها حب، والسينما هي المرآة التى تعكس الينا حياتنا،والحياة ما هي الا للحب _ إذا فالسينما بما تنقله الينا إنما تنقل صورا مختلفه من الوان الحب _ ولا اتصور قصة مهما كانت لا تهدف أخيراً إلى الحب.

القبلة السنمائيه فن لاشك فى ذلك ولكن هل يفقد الممثل او الممثله شعورة وهو يأخذها أو يعطيها لأنه مندمج فى مشهد تمثيل القبلة؟

من رأيي أن الممثل يجب أن يحتفظ بوعيه وهو ينتقل من شخصيته الحقيقيه إلى الشخصية التي يمثلها، فإذا فقد إحساسه و وعية و شعوره فهو ممثل فاشل.

ففن التمثيل لا يقوم على الاندماج الكلى، إنما يجب دائما على الممثل الاحتفاظ بأحاسيسه وهو يؤدى دوره”.

حدث معى فى مطلع حياتى، عندما كنت لم أبلغ العاشرة من عمرى بعد، وكنت أهوى التمثيل، أن وقفت على خشبة المسرح أقوم بأحد الأدوار، وكان على أن أبكى فى أحد المشاهد، واندمجت فى البكاء حتى أننى لم أستطع أن أمنع نفسى عنه ، و أصابتنى حالة _ عصبية _حالة اندماج كلى بشكل غير طبيعى، مما أفقد التمثيل روعته . ومن وقتها وأنا أهاب التمثيل.

والذى أقصده، أن الاندماج الكلى فى التمثيل ليس هو المطلوب من الفنان ، بل عليه أن يحتفظ بوعية وإحساسه ويشعر بالدور أو الحركة التى يؤديها.

فالممثله وهى تقبل البطل على الشاشه، تقوم بهذه الحركة أمام أكبر مجموعة من الناس، المخرج، الممثل، العمال، فعليها أن تؤديها بإتقان مع الاحتفاظ بالشعور والاحساس، هي قطعا تشعر أنها تعطى القبلة وتأخذها، وهى ليست معدومة الاحساس، فهى تحاول أن تغمض عينيها، و ترعش شفتيها، فهى تنتقل من مرحلة التمثيل إلى مرحلة الواقع المحض الذى تعيش فيه.

ولو كان كل من مثل القبلة على الشاشه يتلذذ بها لكان التمثيل غير خلقى

لقد سمعت كل قصصك التى ظهرت على الشاشة قبلات فأي قبلة أعجبتك تمثيلا أكثر من غيرها؟

كانت القبلة المتبادلة بين عبد الحليم حافظ وزهرة العلا فى فيلم الوسادة الخالية، من أقوى القبلات لتى أديت على الشاشه من حيث التمثيل، والقبلة الباردة التى أتقنت السيدة فاتن حمامة تمثيلها، فأشعرت كل المشاهدين.

إنها بالفعل قبلة باردة وليست صادرة عن احساس او شعور ، وذلك فى فيلم ” الطريق المسدود” أما “القبلة” الحارة التى تبادلتها فاتن حمامة مع عماد حمدى فى فيلم ” لا أنام ” فقد كانت تحفة فى قوة التمثيل.

لماذا لا تكتب “سيناريوهات ” لقصصك التى تعرض على الشاشة؟

لأننى أومن بالتخصص، وكل عمل للوصول به الى الكمال لابد من التخصص فيه.

إن أضعف ما عندنا فى صناعة السينما هو السيناريو، ولا زلنا فقراء فى كتاب السيناريو الدراسين المتخصيين.

لقد تخصصت فقط فى كتابة القصة المقروءة، و لكي أكتب السيناريو لابد أن أتفرغ له وأدرسه دراسة تامة.

ولابد لكاتب السيناريو عندما يمسك قصة ليعد لها السناريو، أن يحاول أن يخلق منها شيئا كبيرا مقيدا بالكاميرا وبالمخرج وبالوايا وبالامكانيات وبالرقابة أيضا، أما القصة فكل مهمتى فى تصوير الفكرة، فإذا أخذت أنت هذه القصة، وقسمتها الى مناظر وفصول وصورتها، تصبح ولاشك فاشلا والقصة ستفشل على الشاشة، كما حدث فى بعض قصصى التى صورت للسينما، لقد خشى المنتجون والى جانبهم كتاب السيناريو
أن يحوروا فى القصة ويدخلوا عليها ما يلزمها لتصبح عرضا سينمائيا ناجحا بحجة
أن القراء الذين قرأوها فى الكتب سيشعرون بهذا الاختلاف وستكون النتيجة فشل الرواية ، هذه فكرة خطأ، فالسيناريو عمل كامل وليس هو مجرد سرد للقصة.

كما قلت فهو مقيد بأشياء ذات مطالب كثيرة.

وأنا أفكر فعلا فى دراسة السيناريو عندما أجد الوقت الكافى لهذا العمل الكبير.

 

 

اقرأ أيضاً..شهيرة سكرتيرة خاصة لزوجها محمود ياسين.. اعرف الحكاية

مواقف مضحكة من حياة عبد السلام النابلسي بعد أن أصبح منتجا

Related Articles

Back to top button