الأسرار الكاملة حول إنشاء بنك مصر
كتبت:سهام أبو عجيلة
حكايات وروايات لا يعرفها الكثير عن بنك مصر، والذي قام بتأسيسه وهو طلعت باشا حرب، الذي فى مثل هذا اليوم 13 أغسطس 1941 رحل اقتصادى مصر الأول طلعت باشا حرب.
وقد ولد طلعت حرب في 25 نوفمبر عام 1867 بمنطقة الجمالية بالقاهرة، أنتهي من دراسته الثانوية بمدرسة التوفيقية ، ثم حصل على شهادة الحقوق من مدرسة الحقوق عام 1889م ، علاوة علي دراسته الحقوق فقد أهتم أيضا بدراسة الأمور الاقتصادية ، وأيضاً الإهتمام والإطلاع على العديد من الكتب في مختلف مجالات المعرفة والعلوم ، وأهتمو بدراسة اللغة الفرنسية حتى أجادها إجادة تامة .
وترجع بداية حياة طلعت حرب العملية أنه قام بترجمة القضايا بالدائرة السنية والتي كانت متولية الأراضي الزراعية المملوكة للدولة ، ثم أصبح يتدرج في المناصب إلي أن عين مديراً لأقلام القضايا ، ثم عين بعد ذلك مديرا لشركة كوم امبو و التي كان مجال نشاطها في استصلاح وبيع الأراضي ، ثم مديراً للشركة العقارية المصرية وكانت تعمل في مجال تقسيم و بيع الأراضي واجتهد علي أن يكون معظم عمالها وشركائها من المصرين حتى أصبحت غالبية أسهمها للمصريين .
كان طلعت حرب ينادي دائماً للعمل الحر فقام بإنشاء ” شركة التعاون المالي”، و التي قامت بتقديم العديد من القروض المالية للشركات الصغيرة المتعسرة مادياً .
وفي عام 1911 قدم طلعت حرب رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية وذلك من خلال كتابه “علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين” .
قناة السويس
وفي عام 1912 قام طلعت حرب بتقديم كتابه بإسم “قناة السويس” وذلك لتفنيد دعاوي إنجلترا وفرنسا لتمديد عقد احتكار القناة لمدة 40 سنة أخرى بعد الـ 99 سنة التي تنتهي في عام 1968 وقد نجحت حملة طلعت في القضاء على هذا المخطط الاستعماري في مهده .
بيع الأراضي
وقد كان طلعت حرب يميل دائما للفلاحين والغلابة ويدافع عنهم فعند تصفية الدائرة السنية ناشد ببيع الأراضي إلى الفلاحين الذين يزرعونها ونجح في ذلك مما يؤكد فكره الاشتراكي التي لم يسع أبدا إلى قولبتها في قوالب سابقة التجهيز ولكنها كانت اشتراكية تنبع من الأرض المصرية .
المؤتمر الوطني
وبعد أن أعلن طلعت حرب عن فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين انعقد المؤتمر الوطني عام 1911 للبحث في مشكلات مصر الإجتماعية وقرر المجتمعون تنفيذ فكرة حرب في إنشاء بنك مصر وقد توقفت عملية إنشاء البنك بسبب الحرب العالمية الأولى .
وعندما انتهت الحرب دون أن تحصل مصر على استقلالها السياسي قامت ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول وأثناء الثورة دعا طلعت حرب أبناء مصر إلى الكفاح ضد سيطرة الأجانب الإقتصادية على المدخرات المصرية ، وتعود فكرة إنشاء بنك مصر وينجح طلعت حرب في إنشاء البنك عام 1920 حيث تم الإحتفال بتأسيسه مساء الجمعة 7 مايو 1920 في دار الأوبراالسلطانية ، وذلك برأس مال 180 ألف جنيه وتم تحديد قيمة السهم بأربعة جنيهات مصرية ، وفي نهاية عامه الأول ارتفع رأس مال البنك إلى 175 ألف جنيه ثم إلى نصف مليون جنيه عام 1925 ، ثم إلى مليون جنيه عام 1932 ، وقد بدأ بنك مصر في ركن متواضع من أوطان شارع الشيخ أبي السباع .
الأسرار الكاملة حول إنشاء بنك مصر
و أجمل ما في قصة انشاء بنك مصر هي أنها كانت تعبير صادق و ظاهر علي مدي النضج الفكري الذي وصل إليه الشعب المصري في أوائل القرن العشرين ، فالشعب المصري الذي خرج في ثورة 1919 لم يكن فقط يتمتع بوعي سياسي كبير ، و إنما كان يمتلك وعي و فهم لتحرير و تطوير المجالات الأخري الاقتصادية و الفنية و غيرها بدرجة لا تقل عن وعيه السياسي .
هذا الوعي الفكري الشامل للمجتمع المصري تسبب في انجازات كبيرة في كل اتجاهات الحياة في ذلك الوقت سواء الاقتصادية منها مثل بنك مصر ، و الفنية متمثلاً في ظهور السنيما المصرية وانشاء معهد فن السينما ، و التعليمي منها بإقامة صرع التعليم الكبير الجامعة الأهلية ( جامعة القاهرة ) التي تعد أول جامعة تدرس العلوم المدنية في المنطقة كلها، وهو وعي لم يقتصر علي طبقة واحدة من الشعب دون غيرها ، مثل الاغنياء مثلاً أو المثقفين ، و إنما شمل كل طبقات الشعب الغني منها و الفقير ، الصغير منها و الكبير .
وفي 5 أبريل 1920 ، صدر فرمان السلطاني من سلطان مصر أحمد فؤاد ، بتأسيس شركة مساهمة تدعي بنك مصر من خمس مساهمين مصريين هم : أحمد مدحت يكن باشا ، يوسف أصلان قطاوي باشا وهو من كبار الأعيان اليهود المصريين ، ومحمد طلعت حرب بك ، وعبد العظيم المصري بك ، وعبد الحميد السيوفي بك ، والطبيب فؤاد سلطان بك ، واسكندر مسيحة افندي ، وعباس بيسوني الخطيب افندي .
وفي الحقيقة سلطة الاحتلال البريطاني لم تحاول القيام بإقاف هذا البنك المصري أو وضع الصعوبات في طريق انشائه ، علي الرغم أنه كان منافسا البنك الأهلي الذي كان يمثل سلطة الاحتلال الاقتصادي الانجليزي لمصر .
وفي 10 مايو 1920 ألقي طلعت حرب خطبة كبيرة في دار الأوبرا المصرية بمناسبة بدء أعمال بنك مصر ، و كان أول مقر له في شارع الشيخ أبو السباع ، وبدأت رحلة بنك مصر في تمصير الاقتصاد المصري والقيام بمشروعات اقتصادية تعود بالنفع علي مصر ، أهمها انشاء شركات مصر للسياحة والأقطان و الغزل و النسيج والتمثيل و السينما ، و غيرها .
وقد قام بنك مصر برسالته الوطنية في تنمية الودائع زيادة على أرباحه التي استثمرها في إنشاء أكثر من عشرين شركة مصرية ، ومع تأسيس البنك رفض طلعت حرب رئاسة بنك مصر وترك المنصب لأحمد مدحت باشا يكن ، واكتفى هو بمنصب نائب الرئيس والعضو المنتدب ، وقد استدعى الخبير الألماني فون أنار لوضع النظم الداخلية للبنك ، وفي نفس الوقت أرسل بعثات من شباب مصر إلى إنجلترا وسويسرا وألمانيا للتدريب العملي على العمل المصرفي ، وقد عاد جميع المصريين ليعملوا في بنك مصر ، وسريعا ماانتقل بنك مصر من مقره المتواضع إلى مقره الحالي في شارع محمد فريد ، وسريعا ماانتشرت فروع البنك لتصل إلى 37 وحدة مصرفية في عام 1938، وقد اهتم طلعت حرب بالمظهر الخارجي لمنشآت بنك مصر فجعل جميع مباني البنك ذات نمط معماري واحد . وقد استطاع بنك مصر وشركاته امتصاص جزء كبير من البطالة حيث زادت ودائع البنك مقارنة بكل البنوك الأجنبية العاملة في مصر ، مماأنهى مقولة الإستعمار والتي كانت تردد في ذلك الوقت “المصري لايعرف إلا الإستدانة” حيث استطاع بنك مصر تحفيز الإدخار لدي كل المصريين حتى الأطفال بعد أن وزع البنك حصالات على تلاميذ المدارس الابتدائية ثم يأخذ مافيها ويفتح للأطفال دفاتر توفير بالبنك .
كما كان طلعت حرب يراعي دائما البعد الأخلاقي في معاملاته وتعاملاته ، حيث أصدر قراراً بعدم تمويل بنك مصر لأية مشروعات تسيء إلى الخلق العام ، وكرامة الإنسان ، كما حرص البنك على مساعدة صغار الصناع والحرفيين للصمود أمام سيطرة المنتجات الإنجليزية على السوق والجمعيات ومنافستها وكما شجع البنك قيام شركات المقاولات المصرية ودعمها ماليا بكسر احتكار الأجانب لهذه المشروعات حيث كان الأجانب يقرضون الفلاحين والجمعيات التعاونية بضمان الأرض فإن عجزوا عن السداد يتم الاستيلاء على الأرض المرهونة ، وقد استطاع طلعت حرب أن يتصدى لهذه السياسة الإستعمارية ليتم الحفاظ على ثروة مصر من الأرض الزراعية ، وقد طلب البنك من الحكومة المصرية إنشاء البنك العقاري المصري ليتولى عمليات الدعم للنشاط الزراعي في جميع أنحاء مصر .
واستمرت عطاءات طلعت حرب فأنشأ شركات مصر للملاحة البحرية ، ومصر لأعمال الإسمنت المسلح ، ومصر للصباغة ، ومصر للمناجم والمحاجر ، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت ، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للألبان والتغذية ، ومصر للكيمياويات ، ومصر للفنادق ، ومصر للتأمين ، كما أنشأ طلعت حرب شركة بيع المصنوعات المصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون ، صيدناوي وغيرهم .
وقد سعى طلعت حرب لإنشاء شركة مصرية للطيران إلى أن صدر في 27 مايو 32 مرسوم ملكي بإنشاء شركة مصر للطيران كأول شركة طيران في الشرق الأوسط برأس مال 20 ألف جنيه ، وبعد عشرة أشهر زاد رأس المال إلى 75 ألف جنيه ، وقد بدأت الشركة بطائرتين من طراز دراجون موت ذات المحركين تسع كل منها لثمانية ركاب ، وكان أول خط من القاهرة إلى الاسكندرية ثم مرسى مطروح ، وكان الخط الثاني من القاهرة إلى أسوان ، وفي عام 1934 بدأ أول خط خارجي للشركة من القاهرة إلى القدس .
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه طلعت حرب من خلال بنك مصر والإنجازات الاقتصادية الهائلة التي تم تحقيقها ، إلا أن البنك تعرض لأزمة مالية كبيرة ، كان الاحتلال البريطاني ورائها ، حيث تسارع آلاف المودعين بسحب أموالهم من البنك ومما زاد الأزمة سحب صندوق توفير البريد لكل ودائعه من بنك مصر ، ورفض البنك الأهلي أن يقرضه بضمان محفظة الأوراق المالية ، و عندما ذهب طلعت حرب إلى وزير المالية حينذاك حسين سري باشا لحل هذه المشكلة ، كان الشرط الوحيد الذي قدمه الوزير لحل أزمة البنك هو تقديم طلعت حرب لاستقالته .
وبالفعل قدم طلعت حرب استقالته للمحافظة على البنك هذا الإنجاز العظيم الذي قام بتقديمه للمصريين ، والذي أستمر إلى يومنا هذا يقدم خدماته إلى المواطن المصري ورمزاً وتخليداً لذكرى واحد من أبرز الاقتصاديين الذين عرفتهم مصر ، ومن أقواله الشهيرة في هذا الموقف هو ” فليذهب طلعت حرب و ليبق بنك مصر” .