الشيخ أشرف محمد محسن يكتب: أخوة يوسف

كان ليوسف عليه السلام أحد عشر أخا، منهم أخ شقيق واحد، وأما العشرة فلم يكونوا أشقاء يوسف عليه السلام، وكان يعقوب عليه السلام والدهم يميل إلى يوسف عليه السلام بقلبه وحنوه، وكان نبى الله يعقوب نبيا من عند الله، فربما رأى من يوسف نجابة من صغره، أو علم أن يوسف يمتحن، أو ان يوسف كان أطوع الجميع لأبيه، أو غير ذلك من الأسباب التى جعلت أباه يختص يوسف بالمحبة والقرب االشديدين، حتى أنه كان لا يقدر على بعد يوسف عنه [ إنى ليحزننى أن تذهبوا به] .

فحسد أخوة يوسفَ أخاهم وكادوا له ودبروا له تدبيرا حتى يخلوا لهم وجه أبيهم، فتشاوروا فى قتله، أو تركه فى أرض بعيدة حتى يموت جوعا أو تهلكه السباع، أو يلقوه فى بئر بعيد عنهم لكنه فى طريق الناس، وهو ما حدث حتى بيع رقيقا لعزيز مصر، ودخل فى محن بعضها أشد من بعض حتى مكن الله له وفضله على أخوته.

كان الظن بأخوة يوسف وهم العصبة والقوة والسن، أن يكون السند والمنعة له، وأن يكونوا له الأب فى غياب الأب، والرفيق الشفيق على أخيهم الأصغر، وأن يكونوا هم من يأكلون الذئب لو عدى عليه، وأن يكون معهم فى رعيهم دوابهم يلهو ويعلب، يلهوا معه وله ولعبون معه وله.

لكن غيرتهم منه وحسدهم إياه منعهم من ذلك كله. فانقلبوا يكيدونه ويسعون فى مضرته حتى بيع رقيقا، وحملهم ذلك على الكذب وعقوق الواد، وتقطع القلب غيظا وحسدا، انقلبوا من الأخ إلى العدو، يعينون على أخيهم ولايعينونه، يكون به ولا يكيدون له، يسعون فى مضرته ولايسعون فى منفعته، باعوه عبدا ولم يشتروه حرا، رضو فيه الثمن البخس ولم يقيموه بالغالي والنفيس، انقلبوا من القوة إلى الضعف، ومن الحسن إلى القبح، ومن النصير إلى العد.

قصة يوسف عليه السلام مع إخوته هى واحدة من قصة النفس البشرية. وقصة تحكى أمراض النفس وتحاكيها، قصة تدل على ما تكنه هذه النفس من السوء، فى مقابل ما تكنه هذه النفس من الملائكية المتمثلة فى يوسف عليه السلام، وهى قصة الرحمة والحب المتمثل فى يعقوب عليه السلام، هى قصة كل ولاء، وهى قصة كل عداء.

أكبر ما يؤلم من الطعنات إذا كانت من القريب، وهى أكثر ما تكون من القريب، ولكن طعنة قريب شديدة الإيلام، شديدة الغور فى النفس، يطول وجعها، ويلتأم جرحها متأخرا، تترك ندوبا فى النفس لا تندمل، تخبرك أن الغدر قريب منك، فتتحسس من كل من حولك، بكاؤها يكون بدمع القلب لا بدمع العين، دمعها يكون بالدم ولا يكون بالماء.

قصة يوسف عليه السلام أخوته، تقول لك لا تتعجل العاقبة، فإن لقاء يوسف بإخوته لما جاؤوه كان بعد ثمانين عاما، لأن بعضنا يتعجل العاقبة ويستبطأها حتى ييأس منها، وحتى يشك فى عدل الله، وأنه قد نجا الظالم وترك المظلوم، ولكن الله تعالى لا يضيع عنده شىء.

أحداث القصة كانت فى أرض العزة فلسطين، وهاهم الأخوة يبيعون أخاهم بثمن بخس، ويتركونه لعدوهم وعدوه، ثم يحسبون أنهم على شىء، ما بقى من كرم الله كثير جدا، يسع الدنيا والآخرة، ويوم قريب يكون وعد أولاهما فيتحقق وعد الله ونصره وتمكينه لجنده ودينه، ويخذل عدوه وينكبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى