أسامة مهران يكتب: جوائز والله أعلم

ليست نيشانًا يستغني عنه أحد الأعيان لبائع “البسبوسة” بعد أن يجور عليه الزمان، وليست قربانًا أو نذورًا فداءً لرضيع بعد وفاة أشقائه عند الولادة، لكنها جائزة ضمن العديد من الجوائز التي ترتبط بإعمال العقل، بالموهبة الربانية، بالقدرات الشخصية، جائزة الصحافة أو الشعر أو أفضل عمل فني، جميعها ترتبط بروح المجتمع، بضمير الأمة، برؤيتها لواقع الحال، وكيفية استشرافها المستقبل.

جائزة الإبداع الحقيقي ليست لذر الرماد في العيون، المقابل الأدبي والاجتماعي والمعنوي الذي ينتظره صاحب التاريخ الطويل لكي يتوج به مسيرة حياته، لم يكن أبدًا مجرد تقليد لكسب وجاهة، ولا مكياج لتحسين صورة، ولا لحية سوداء أو بيضاء لإظهار صاحبها على أنه وسيم رغم أنف التقاليد ونظرة عموم الناس.

وعندما أصبحت هذه الجوائز مرتبطة بمراسم اللحظة، وعُرَب التعاطي، واعتبارت “أخرى”، فقدت هذه الجوائز هيبتها، وخفت بريقها، واعتلاها القيل والقال من كثرة الاستخفاف بأهميتها بل وبماهية الشخصيات التي تحصل عليها.
منذ نعومة أظفاري وأنا أدرك أن المركز الأول لا يذهب بالضرورة للأفضل، وأن النياشين والأوسمة والألقاب قد يحصل عليها من لم يخطر على بال قط.

حدث ذلك أمام عيني سنة فسنة، وانتظرت أن يكون المعيار إبداعي، والتحكيم محايد، والقائمين على الجائزة مهنيين، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فيتقلد الجوائز الذهبية من لم يقدم شيئًا على الإطلاق، ويحصد المكانة من لم تكن لديه دراية بعلم الكتابة إلا من خلال من يكتب له لعل وعسى.

كثيرًا ما يشكو المثقفون من الجوائز وقيمتها، من الاختيار وتبعاته، من الحظ ومساوئه، فلا صاحب أسرع زمن هو الذي يفوز بالأولمبياد، ولا أقوى رامٍ هو الذي يذهب إلى نهائي التصفيات، ولا أحق إنسان بست الحُسن يمكن أن يحل مكان الشاطر حسن صاحب الحصان الأبيض الكسيح.

هذه هي الحياة ليست للمجتهد فيها نصيب، ولا يأتي الجزاء دائمًا لمن أحسن عملاً، هي سُنّةٌ غير محمودة، وقدر وصفه الزعيم جمال عبدالناصر بأن الدنيا لم تخلق فقط للأثرياء عملاً بالحكمة الملتبسة، قد تجد المقابل في الآخرة، يعني الفقراء أو الأتقياء أو الأوفياء ليس لهم نصيب في الدنيا، ونصيبهم فقط في الآخرة.

اللقطة على سخريتها، والكلام على خفة ظله، إنما يعكس حقيقة مفادها أن الحظوظ هبطت علينا من الجنة كالتفاحة، جميعنا لنا نصيب فيها، وأن كل ما يحدث بخلاف ذلك غياب للعدالة على الأرض، حتى لو هبطت علينا من السماء.

صحيح أن الأرزاق يوزعها الخالق سبحانه على طريقة الـ”24 قيراطًا”، لكنها الاجتهاد والعمل الدؤوب، والفكر الراقي والتعليم المستمر، والكفاح من أجل الارتقاء بالذوق العام، وحرية الإبداع ورصانة السلوك، وأمانة الخلق وحسن المعشر، هي صفات تستحق المقابل حتى لا يصيب الناس يأسًا من رحمة الله، وبأسًا للحصول على الحق بالقوة.
هي عظمة العظمة وليست قيمة الجائزة، هي الصحة والعافية حتى لو لم نعد نمشي اختيالاً على “أديم الأرض إلا من هذه الأجساد”، إنه أبو العلاء المعري عندما ظلمته الحياة بفقد بصره، لكنه لم يفقد روحه ولا بصيرته، “إنّ حظّي كدقيق ٍ فوقَ شوكٍ نثروهُ .. ثمّ قالوا لحُفاةٍ يومَ ريح ٍ اجمعوهُ .. صعُبَ الأمرُ عليهمْ قلتُ يا قوم ِ اتركوهُ .. إنّ من أشقاهُ ربِّي كيفَ أنتم تسعدوهُ؟”.