أسامة مهران يكتب: الشعر والسينما

تقول إيمان ماجد:
السياسي الديماغوجي
يخطب من فوق منصته في التلفاز :
“نسعى للمساواة ،
نسعى لتحقيق العدالة ..”
و شريط أسود يقتص الركن
الشرقي الأوسط من الكادر

يقول المعلّق المازوخي :
أيُّ عدالةٍ ؟
راتبي الشهريّ لم يتجاوز بعد
عدد المشاهدين !
أريد مزيدًا من العدل
أطالب بالمساواة..

يقول المثقف بصوتٍ موتور:
لا تغرينكم البرجماتية البلهاء
هذا كتابٌ به شرح وافٍ
لطرق الطحن و الفرز و القولبة
نحن بحاجة لفترة صلاحية أطول
كمعلباتهم الثمينة
نطالب بالمساواة ..

يقول خفيرٌ مسنّ :
أفتقد كلبًا كان يوقظني لقيام الليل
اشتقت مذاق اللحم..
يخرسُ عواء معدته،
بمزيد من عواء
يطالب أيضاً بالمساواة ..

تقول فتاة البوتيك
و هي تعلّق فساتين الزفاف..
أحتاج ثلاثين سنةً إضافية لأفكر
في الزواج ..
أريدُ ! .. كل ما أريده،
ثروة بقيمة فستان؛ بل أقل
أنا لا أطالب بالمساواة ..

يقول الشحاذ :
أنا لا أريد شيئًا ..
فقط أريد أن أشحذ وطنًا
لا ينادي بالمساواة .
أخذتني قدماي إلى ممشى أهل مصر بكورنيش النيل بالقاهرة، ومررت على عدة مقاهٍ زجاجية، جميعها كانت تذيع مباراة كرة قدم .الطريف أن المباراة هي المبارة نفسها لكن اختلفت زاوية رؤيتها من مكان لآخر، فلكل مقهى طبيعته الخاصة التي تميزه عن الآخر، التي تختلف بطبيعة الحال عن بيتي ..

الفكرة نفسها عندما يتناول شخص ما مفهومه عن دلالة كلمة المساواة أو العدالة، فالفقير يرى العدالة والمساواة غير التي يراها الغني، والفتاة تراها بصورة غير التي تراها أخرى في مثل سنها، والسياسي الذي يعد الناس بأكاذيب باطلة يرى العدالة والمساواة وكل ما حوله من محيط يدحض كلامه ويكذبه، فكيف يمكن تصديقه؟ وصوت المثقف الواعي عن العدالة والمساواة يتحشرج وهو يراها بمبالغة مقيتة فإن آخر يشكو الراتب الذي لا يساوي عدد المشاهدين.

إذًا نحن أمام عدد من الشخصيات لكل منهم رؤية خاصة لمفهوم المساواة ، ولا علاقة جامعة بين أنماط الشخصيات سوى أنها معا تعطي صورة مونتاجية متتابعة لعدد من الصور المتشابهة والمتناقضة معا.

مثل هذه القصيدة تسمى القصيدة الكرونولوجية أو متتابعة الصور بحيث تقوم الشاعرة إيمان ماجد بربط عدد من المشاهد المؤتلفة المختلفة (التشاكل والتباين) في تصدير انطباع بالتوتر على المشهد، والمشاهد المتماثلة في الحدث أو المعطيات الدلالية لا جامع بينها وذلك ليكتمل التشكيل فيما بينها من حاصل مجموعها معا. حيث تتشابه طبيعة الحدث والجو العام، فيتكون من تجاورها معنى لا يمكن تحقيقه أو إبرازه إلا من خلال هذا التجاور في شكل تتابعي.

وهذا النوع من تكرار المشاهد مع التركيز على فكرة أيديولوجية معينة(العدالة ولمساواة) قادر على إيصال الفكرة الذهنية(الحدث) إلى المتلقي بطريقة سينمائية تقوم على المونتاج كبديل للكاميرا في السينما.

القضية الأخرى التي يثيرها النص السابق تكمن في كونه نثرا، النص نثري مع توظيف مفردات أجنبية كثيرة: البوتيك، الديماغوجي، المازوخي، البرجماتية، .. ولعل هذا ما حدا بالشاعرة رشا عادل إلى القول: “عندما توجهتِ الأنظارُ للنص النثري .. وجدتُني في شغف للقراءة والوقوف على أعتابه لكنني وبصراحة شديدة على الرغم من انتشاره وكثرته قلما تجد نصا جيدا يستحق القراءة والدقائق التي أُهدرت به”.

وهذا النص النثري توافرت فيه عناصر لافتة تثير الانتباه، وتحفز الذهن، وتصدر التوتر المشوب بالدهشة والإثارة، من خلال توظيفه تقنية المونتاج السينمائي. ويحسب للشاعرة إيمان ماجد أنها أجادت نسج خيوطه، وصياغته صياغة شعرية من خلال الشكل الكتابي. وأخيرا.. اهتدينا إلى نص نثري جيد!