أسامة مهران يكتب: جامعات العالم تنتفض وجامعاتنا في خبر كان

عندما يستخف بنا العالم ويردد بسخرية (صدق من قال أن أي إعتداء على الاتحاد السوفيتي هو إعتداء على اليمن)، لا يجب أن نلومه ،لا ينبغي أن نتهمهم بالتنمر والتربص والكراهية، (لقد فعلتها بنفسها براقش)، نحن الذين أضحكنا العالم علينا، وضعنا أنفسنا في مهب المساخر والحناجر والأصوات العالية ، ونحن الذين اهملنا أنفسنا حتى أصبحنا على الصورة المخزية التي ظهر عليها نفر من جماعة في اليمن غير السعيد وهم يوجهون الدعوة إلى الطلبة والعلماء “المشاغبين” الذين ساندوا غزة لكي يدرسوا في جامعة صنعاء بعد أن اوقفتهم عن الدراسة في أعرق جامعات العالم قاطبة.

المدهش والغريب ان الدعوة خرجت بالصوت والصورة و المشهد المخزي من داخل جامعة صنعاء العريقة والتي بدت وكأنها خاوية على عروشها إلا من طلقات رصاص بين متنازعين على السلطة ومتآمرين على تاريخهم وأمجادهم في الزمن القديم.

من حق العالم أن يسخر منا، ان يستخف بنا، ان يتطاول علينا وأن يتهمنا بالتخلف والجهالة والشذوذ، ليس لأننا نساند من يساندنا ولكن لأننا لم نفهم بعد موقعنا من الإعراب أسوة بالجامعات العالمية التي صعدت بأعظم أمم العالم إلى قمة التكنولوجيا الشاهقة.

من حق شعوبنا الشريفة علينا ان ينهضوا، أن يفيقوا، ان يوجهوا الدعوة لعقلاء الامة ليبدأوا فورا في إعادة العقل العربي لمكانته، لوضعه ، لتاريخه وتراثه ومجده التليد، لا أن يطرق مختطفا هكذا من قبل جماعة مارقة، او مجموعة جاهلة، او ميليشيا ظلامية سامقة.

لقد آن الأوان بأن نفيق من سباتنا العميق، أن ننظر حولنا ونفهم ما يحدث من تطور وتقدم وإستعلاء، وألا نعيش داخل خلوتنا المستفزة، ونشن حروبا على الوهم، وندعي بأننا متقدمين، وأننا بازغين، وأننا قادرين على هزيمة العدو المبين.

لا بد وأن نوقف هذه الجماعات الشاذة التي شوهت تاريخ جامعات عربية عريقة مثل جامعة صنعاء وأوقعتها في شر أعمالها، وأظهرتها وكأن المسؤولين عنها لا يدركون الحال الذي آلت إليه في مواجهة أعظم جامعات الكون (هارفرد وكولومبيا وجورج واشنطن والسربون وغيرها).

لقد نست هذه الجماعة أنها تواجه البحث العلمي بكلاشينكوف وعلوم الميثولوجيا بدماء الضحايا والذكاء الإصطناعي بالغباء الطبيعي.
مازال لدينا من الوقت والفرص ما يعيدنا إلى منصات الحداثة، إلى ما يجعلنا مثلما كنا في الأندلس، معلمين لكل الدنيا، مخترعين بالنيابة عنها، مكتشفين لآثار الطبيعة والكون وأغوار الإنسانية الغامضة.

لقد زهق بسبب جهلنا وتنطعنا مئات الالاف من الأرواح البريئة من الشباب والنساء والشيوخ والعلماء والصحفيين والأطباء وغيرهم في قطاع غزة، وأصبحنا نقود حروبا بالوكالة لمصالح سوانا، ولأغراض خارجة عن حدود أمننا القومي، أصبحت مشاريعنا الوطنية شديدة القطرية، والإنكفاء على المحلية، ولا علاقة لها بالمشاريع الإقليمية المحدقة، والمخاطر الدولية الفارقة.

أصبحت جامعات العرب التي كانت محط أنظار الدنيا بعلمائها ومفكريها وطلابها وثوارها مجرد فصول للتقوية بعد الظهر، مرتعا للدروس الخصوصية والممارسات غير المشروعة، لم تأت لنا بطه حسين جديد ولا عباس عقاد ولا مصطفى مشرفة ولا يحيى مشد ولا جمال حمدان آخر، بل أن جامعة عربية واحدة منذ السابع من أكتوبر لم نشهد بها مظاهرة إحتجاجية مؤثرة لما يحدث من إبادة جماعية في قطاع غزة، ولم يعرقلنا تجمعا علميا يتيما يوجه الأمة لجادة الصواب، ولملمة أشلائها من أجل وقف العدوان الغاشم على أهلنا في فلسطين المحتلة.

تركنا العالم يتحدث عنا ليدافع عن قضيتنا المحورية بطريقته الخاصة، ويضع حلولا نهائية على مقاس المجتمع الدولي لما يسمى بحل الدولتين.
نسينا قضيتنا وتوجهت أنظارنا بإنسحاق لم يسبق له مثيل لفنان فاسد إنفصل مؤخراً عن زوجته “المظلومة”، أو إلى فتاة موتورة تهاجم الرجال على شاشة فضية، وأخرى تذوب فيهم عشقا على شاشة أخرى زميلة.
مازلنا مهتمين بأي شيء تافه، إلا بأحوال بلادنا ومآسي أمتنا وعلوم الدنيا المتقدمة. أصبحنا في ذيل الذيل من الأمم، وفي نهاية المطاف الذي لا مطاف بعده ولا فرص.