أحمد فرحات يكتب : كفريات العرب

اعتاد العرب على تسمية الأمور الجسام تسميات جساما فيقولون: الأصمعيات، المذهبات، المنصفات، المعلقات، الحوليات، الكفريات، وهي من الكفر. ومن نافلة القول أن ناقل الكفر ليس بكافر. ومن الشعراء الكفار وقت قول القصائد الكفريات:

 

أم جميل بنت حرب بن أمية زوجة أبي لهب، وأخت أبي سفيان، حمالة الحطب، اسمها العوراء، سميت بذلك لانها كانت غاية في الجمال، لكن فعلها لم يكن كذلك.

 

كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانها وبفعلها، فمن إيذائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانها ما رواه الحاكم، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: لما نزلت: (تبت يدا أبي لهب وتب) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وفي يدها فهر (حجر) وهي تقول:

مذمما عصينا

وأمــــره أبينا

وديـــنه قلــينا

 

والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبوبكر، فلما رآها أبوبكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، قد أقبلت، وأنا أخاف أن تراك.

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لن تراني. وقرأ صلى الله عليه وسلم قرآنا، فاعتصم به كما قال، وقرأ: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ( الاسراء: 45.

 

فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ إني أخبرت أن صاحبك هجاني، والله لو وجدته لضربته بهذا الحجر والله إني لشاعرة، وزوجي لشاعر،ولقد علمت قريش أني بنت سيدها.

 

زوج العباس بن مرداس؛ فلما ورد خبر إسلام العباس بن مرداس لزوجته بنت الضحاك بن سفيان قوّضت بيتها، وارتحلت إلى قومها وقالت تؤنبه :

 

لَعَمري لئِن تابعتَ دينَ محمّدٍ

وَفارَقت إخوانَ الصفا والصنائعِ

لَبدّلت تلكَ النفس ذلّاً بعزّةٍ

غَداةَ اِختلاف المرهفاتِ القواطعِ

وَقَومٍ همُ الرأس المقدّمُ في الوغى

وَأَهل الحجا فينا وَأهلُ الدسائعِ

سُيوفهم عزّ الذليلِ وخيلهم

سهامُ الأعادي في الأمور الفظائعِ

 

فهي ترى أن الدخول في الإسلام ذلا ومهانة، وأن ديار الكفر عزة ومنعة!

بكى الشعراء الكفار موتاهم ورموزهم الكبار، وحزنوا لفقدهم في الحروب مع المسلمين فناحت قريش على قتلاهم.

 

نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: لَا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه، فيشتموا بِكُمْ، وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ. وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ، زَمَعَةُ ، وَعَقِيلُ ، وَالْحَارِثُ ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنْ اللَّيْلِ، فَقَالَ لِغُلَامِ لَهُ:

 

وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ: اُنْظُرْ هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ، هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا؟

 

أَتَبْكِي أَنْ يَضِلَّ لَهَا بَعِيرٌ

يَمْنَعُهَا مِنْ النَّوْمِ السُّهُودُ

فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ

عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتْ الْجُدُودُ

 

وَبَكِّيهِمْ وَلَا تَسَمِي جَمِيعًا

وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ

أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ

وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا

 

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا إقْوَاءٌ ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَشْعَارِهِمْ، وَهِيَ عِنْدَنَا إكْفَاءٌ .. والإقواء هو اختلاف القوافي بين رفع ونصب وجرّ وإنقاص حرف من عروض البيت. وهو من عيوب القوافي الستة.

 

.

أما هبيرة بن أبي وهب المخزوني فقد مات كافرا بعدما علم أن زوجته أم هانئ بنت أبي طالب واسمها هند دخلت الإسلام، ورضي الله عنها، وكان يحبها حبا جما، فطلب منها أن تنأى بنغسها بعيدا عند قتال المسلمين وأن تصعد أعلى الجبل حتى لا يطال صناديد قريش بالنبال، فالرجل كان يخشى عليها الردى؛ فقال:

 

أشــاقــتْــكَ هــنـدّ أم نـآكَ سُـؤالهـا

كـذاك النَّوى أسـبابها وانفتالُها

لئن كـنـت قـد تـابـعـت ديـن مـحـمـد

وقطّعتِ الأرحـامُ مـنـك حـبـالُهـا

فـكـونـي عـلى أعـلى سـحـيـقٍ بهضبةٍ

مُــمــنَّعــةٍ لا تُــســتـطـاعُ قِـلالُهـا

 

فسبحان الله! لقد زين الشعراء الكفر لأنفسهم، وأحبوا زوجاتهم، ورثوا أبناءهم،وكبارهم على أحسن ما يكون الشعر!وسميت هذه القصائد بكفريات العرب.

 

 

إقرأ المزيد

مواعيد تخفيف الاحمال الجديدة ٢٠٢٤