أحمد فرحات يكتب : شعراء منتحرون

ومن الشعر ما قتل!

الشعر مملكة الإبداع والفن، ما ولج بابه أحد إلا وتوج بتاج الإمارة على المستوى الشخصي، وتاج المُلك على المستوى العام. فطوبى لكل شاعر متوج!

يعيش الشاعر الحياة وفوق رأسه تاج؛ لكنه يعاني ما يعاني إذا أحب بصدق، فتميل به الحياة وتهوي، فيتساوى لديه نعيمها وشقاؤها.

 

من الشعراء الذين أحبوا وفشلت قصة حبهم منير رمزي، وهو شاعر مصري، ولد في الإسكندرية عام 1925م، وانتحر بإطلاق النار على نفسه سنة 1945م، وكان قد كتب قصاصة ورق: أنا هارب. ومن شعره:

أنا الغريب / أزرع الأيام على أنغام موسيقا / حزينة ضائعة /غير تارك فيها آثارا لأقدامي/ أنا الغريب/ فقدت طريقي قبل أن أجدها/ وها أنا أزرع الأيام / وراء غريبٍ ليرشدني/ أهيم بين مجالس الموتى هامسا في آذانهم/ بأغانيّ التي لا معنى لها/ أرسلها في خفوت/خائفا إيقاظهم/ ثم أجلس في صمت/ منصتا إلى أناشيدهم التي يعبق بها السكون/ يلقونها في سعادة عميقة أبدية…

 

وتكمن القيمة الفنية والتاريخية لشعره في أنه مارس شعر التفعيلة قبل نازك الملائكة بسنوات. وترك لنا ديوان”بريق الرماد” طبع بعد وفاته سنة 1997م. قدم له إدوارد الخراط ومحمد مصطفى بدوي.

 

أحمد العاصي (1903-1930) شاعر مصري له “ديوان العاصي” كتب له أحمد شوقي مقدمة شعرية. التحق العاصي بمدرسة الطب في القاهرة ولما أصيب بمرض الصدر هجر الطب، والتحق بكلية الآداب، وتخرج في قسم الفلسفة ليعمل موظفاً بمكتبة الكلية. انعكس مرضه ودراسته الفلسفة وحساسيته الشعرية على قصائده فجاءت متشائمة ذات نظرة عبثية إلى الحياة. انتحر في السابعة والعشرين من عمره. تاركاً قصاصة يقول فيها: “جبان من يكره الموت، جبان من لا يرحب بذلك الملاك الطاهر. إنني أستعذب الموت، وهو لي كالعطر”. دهن جسمه بمادة كاوية ثم أوى إلى فراشه. وظلت هذه المادة تأكل جسمه بالتدريج وتحرق الفراش ببطء، من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة من اليوم التالي حيث قضت عليه وأحرقت الحجرة. صدر ديوانه بأبيات أحمد شوقي الدالة على حالته:

ولتعلَّمنَّ إذا السُّنونُ تَتَابعت

                                 أنَّ التَّشكِّي كانَ قبلَ أوانِهِ

هذا شباب السحر يلمع ماؤه   

                          من جدول (العاصي) ومن ديوانه

ويكاد يلمسك السرور يراعه 

                              وترى يد الأحزان حول بيانه

يشكو الزمان لنا، ويالك يافعا

                                     ناءت بميعته هموم زمانه

 

وهنا تكمن القيمة الفنية لشعر العاصي، فشوقي لا يكتب إلا ما شعر به تجاهه. ومن شعر العاصي:

ضاعت سعادة نفسي، وانبرى أملي

                              ونال ما بي من جسمي فأضناني

إني ظمئت إلى خل ليؤنسني 

                                 فلم أجد مؤنساً ما بين خلاني

فعدت للهم عل الهم يؤنسني

                             إن كان في الهم أنس الواله العاني

قولوا لسارية الآلام في كبدي 

                                 هل تقصرين، فإن الهم أبلاني

واحنوا علي إذا ما الهم أرقني 

                                 وباركوني إذا ما الصبر وافاني

ولا تكونوا على نفسي إذا جزعت

                                    فإني مرجع نفسي لإيماني

 

 

وهناك شعراء كثيرون ماتوا انتحارا منهم: اللبناني خليل حاوي ، السوري عبد الباسط الصوفي، الجزائري وفاروق سميرة، الأردني تيسير سبول، وابن القليوبية فخري أبو السعود، وغيرهم.

 

طالع أيضاً المزيد

النهارده كام طوبه 2024| ورقة نتيجة اليوم الأحد 4-2-2024

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى