الشيخ أشرف محسن يكتب: حقيقة السعادة

يبحث الإنسان فى واقع حياته كلها عن السعادة، يبحث عنها فى كل شئ، ربما يظن فى طريق بحثه عنها أنها غير موجودة، أو يبحث عنها فى غير موضعها، بل كثيرا ما يظن الإنسان أنه وجد السعادة ولكنها غالبا تكون وقتية آنية تنتهى سريع بانتهاء وقتها وزمنها، خصوصا لو كانت أفعال اللذة مثل الأكل والشرب والجنس واللعب والملك والسلطة …الخ من أفعال اللذة، وهذه تزول لذتها ونشوتها سريعا بانتهاء وقتها، وربما كانت تكاليفها أكبر من لذتها كالسلطة مثلا فيكون لذتها كلها موهومة، وعلى هذا تكون هذه اللذات لا تُشعر الإنسان بمعنى السعادة إذ هى سريعة الزوال.
وربما كانت أفعال الجدوى و المعنى والقيمة تُشعر الإنسان باللذة، وذلك كخدمة الناس والأسرة والأفعال الفاضلة إذ هى كذلك سريعة النسيان وربما اعتادها المرء فتكون لذتها ونشوتها سريعة الزوال، وإن كانت لذتها تدوم أكثر من الأولى إذ فيها يشعر الإنسان بقيمة نفسه وقيمة المجتمع من حوله، ويرى سعادة الناس بعينه.
إذا لابد للإنسان من مصدر يعطيع الشعور الحق فى السعادة، وأفضل ما يعطى هذا الشعور القرب من الله تعالى إذ أنه فيه سعادة لمن جربها لا تدانيها سعادة، والعمل على مرضاته سبحانه وتعالى، إذ يكون الإنسان فى ذلك على يقين بأن كل أفعاله الخيرة هى فى الميزان عند الله تعالى لا تضيع عنده، بل يحاسبه عليها ويجذل له الثواب العظيم، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فلا حدود لكرم الله.
وحتى فيما يعترى الإنسان من بلاء ومحن، إذا تم للإنسان فيها الرضا، وعلم كذلك أنها تكفير لسيئاته ورفع لدرجاته، كان ما يصيبه من بلاء هو فى حقيقته نعمة
أما تصور أن تخلو الدنيا من المحن ومن البلاء فهذه سذاجة فى الفهم، إذ الدنيا كلها دار ابتلاء للمؤمن ولغير المؤمن، ولا تخلو حياة الإنسان مما ينغصها، لكن النظر للموعود هو مما يصبر المرء على مرارة الحياة، ثم النظر إلى أهل البلاء ممن تشتد عليهم البلاءات فى الدنيا، من أهل الأمراض والحروب والشقاء …الخ ممن تمتلئ بهم الأرض، فالنظر إليهم يورث المرء كثيرا من الرضا، إن نظر إليهم بعين الإنسان الحى لا الإنسان الذى مات ضميره، وماتت فيه الإنسانية.
وأما السعادة الحق التى لا تنتهى ولا تقل ولا يُشبع منها ولا تخبو جذوتها فتلك هى السعادة فى الجنة عند الله تعالى، وما يجده أهل الإيمان فى قلوبهم من اللذة فى الدنيا إنما هو بعض من موعود الله لهم، على صورة اليقين الجازم فيما عند الله تعالى.

وهناك نوع من السعادة يكمن فى العبادة، وهذه السعادة لها معنى جليل يحتاج إلى مقال منفصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى