أحمد فرحات يكتب :مدرسة الجن

 

قرأت كثيرا من إهداءات العلماء والنقاد والشعراء، الذين يفرغون من تأليف كتبهم أو دواوينهم، أو رواياتهم، علمية أو أدبية أو نقدية، وفي كل إهداء تستشعر خجل المؤلف وتواضعه، وربما انتقاصا من قدره حتى يبدو متضائلا أمام عمله والقارئ. لكنك إن قرأت للشاعر السيد خلف أبو ديوان يستفزك إهداؤه كل استفزاز. فهو يقول في إهدائه لديوان عجيب كل العجب:

 

إلى الشعراء والغاوين…إلى الملوك والسوقة…إلى أولادي:ديوان- عليّ- ياسين.. أبوكم أشعر من امريء القيس والمتنبي وشوقي، إلَّا أن النقادَ لمَّا يقوموا به.إلى الإنس والجن..بعض كلام.

 

وفي رأيي أن هذا الاستفزاز ليس مقصودا به القارئ الكريم بقدر ما كان هدفا للنقاد لتحفيزهم، وإثارتهم لتناول شعره، بالدرس والفحص والدراسة، وهذه الإثارة ضرب من توهم الاستعلاء والتعالي من المبدع على النقاد، وأرى أنها نوع من الاستكتاب بطريق مباشر فج.

يقدم الشاعر السيد خلف لديوانه مقدمة توضح مذهبه الشعري، واختياره طريقة خاصة يظن أنه ينفرد بها دون سائر الشعراء فيقول:    “فرأيت أن أحقق المتعة والجدة في كل قصيدة، محاولا الاختلاف عما نهجه القدماء والمحدثون من الشعراء، داخل القيود المعروفة والمضافة(كلام-موزون-مقفى-له معنى-ماتع-مصوِّر-حي-مؤول-موحٍ…إلخ.)، مطبقا هذا وغيره على نفسي، وعلى كل من يرى في ذاته الشاعرة أهلا للانضمام إليّ، والانتساب إلى (مدرسة الجن).

 

الجدة التي دعا الشاعر إليها تتمثل في امتطاء بحر المضارع نادر الاستخدام في الشعر العربي مما دعا المعري إلى مقولة جريئة قوية في الفصول والغايات أنه لم ينظم فيه القدماء، وقد جاء قول أبي العتاهية في المضارع: دعاني إلى سعادا  دواعي هوى سعادا.

 

اعلم أيها الشاعر الفحل أن الجدة ليست في امتطاء بحر نادر أو قليل الاستعمال، وإنما هي دعوة إلى الجمال الروحي المنبعث من وراء البحر المستعمل، يطل جمال الشعر من وراء حجاب شفيف، لا هو بالمخفي ولا هو بالظاهر، يتحرك في ثنايا النص كتحرك الماء في النبع الصافي. كما أن معظم هذه البحور قليلة الاستعمال سيئة السمعة، فهي بحور شهوانية الموسيقا والمضارع يكفيك من لينه أن أول من نظم فيه أبو العتاهية، على ما ذكر المعري في الفصول والغايات، وقد كان أبو العتاهية مخنثا أول أمره. وهذا ما جعل الدارسين لموسيقا الشعر العربي يصفونه باللون الجنسي.

 

وقد سميت هذه البحور بالشهوانية؛ لأن نغمتها لا تكاد تصلح إلا للكلام الذي قصد منه قبل كل شيء أن يتغنى به في مجالس السكر والرقص المتهتك المخنث. ولو تأملتها جميعا وجدت في نغمتها شيئا يشعر بالشهوانية ولسمعت من نقرات تفاعيلها موسيقا ذات لون جنسي. وهذه البحور هي: البسيط المنهوك، المتقارب القصير، المقتضب، المضارع، المنسرح القصير.

فأوزانها فاجرة، داعرة، وإذا ما انتقى الشاعر لها قوافيا غريبة كانت وحشية النزعة. حتى لو نسجها كبار الشعراء.

 

 

 

اقرأ أيضاً..تعرف على مواعيد قص الشعر لشهر ديسمبر 2023

عروض كارفور للاجهزه الكهربائية 2023

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى