أحمد فرحات يكتب: غزة

 

 

في الخريف  يصاب بعض الناس بالاكتئاب، ولست أدري هل هناك علاقة بين تساقط أوراق الأشجار ووقوف الأشجار عارية من الاخضرار والثمار والظلال، وحالة الاكتئاب التي تصيب البعض؟

 

أو ربما الأحداث التي تجري بالجوار لها أثر كبير في إصابتنا بالاكتئاب.

 

أحداث جسام أصابتنا بالصدمة  الشديدة، لأنها أخذت طابعا معروفا لدينا قديما فيما يسمى بالحروب الصليبية، فتشعر للتو أن العالم الغربي والأمريكي تعاون معا لضرب قبيلة أو قبيلتين من قبائل العرب الموزعة  هنا وهناك في فضيحة عالمية فجة، سقط عن العالم المتقدم القناع، وبدت سوأته عارية مستقبحة، وبدأنا نرى وجوه الشياطين خالية من أي قناع إنساني زائف. تعمدوا ضرب مستشفى، لم يفرقوا بين مريض وممرض وطبيب، بين شيخ مسن وامرأة مسنة، بين مسعف وعامل.

 

لعل هذه الصدمة في انكشاف وجوه الشياطين وتعريتها بهذه القسوة والبلطجة الدولية لها مسوغات؛  فقد تمكن بعض أفراد قبائل العرب بمباغتة رابع أقوى جيش في العالم، واختراق أنظمته السرية للغاية، والاستيلاء على معلومات لوجستية وعسكرية واستخبراتية  ربما منذ نشأة هذا الجهاز المعروف عالميا، مما أغاظ العدو المتغطرس وفجر في داخله بركان الانتقام. ولكن هيهات، فالأجهزة التي حصل العرب عليها لبست طاقية الإخفاء واندثرت أو تناثرت أو تماهت فلا يعرف أحد عنها أين باتت واستقرت؟ فوق الأرض أو تحت الأرض؟ أو بينهما؟

 

ومن هنا كان الانتقام من الأبرياء عنيفا وقاسيا ومزلزلا، وأحدث خللا في كل قواعد الإنسانية المتعارف عليها دوليا.

فقد كانت المشاهد التي بثها إعلام العالم كله بمثابة صدمة كبيرة عندما رأينا العدو يفر هاربا متجها إلى المواني والمطارات طلبا للنجدة أو الهروب، مشاهد لن ينساها عربي ولا غربي، أشعرتنا بأن القوى العظمى تنهار أمام مرأى ومسمع العالم كله.

 

وهذه ليست المرة الأولى في التاريخ المعاصر، ففي سنة 1973م، التقى وزير خارجية أمريكا  الأسبق كسنجر بجلالة الملك فيصل في جدة، في محاولة لإثنائه عن وقف ضخ البترول فرأى جلالة الملك متجهما فأرد أن يستفتح الحديث معه بمداعبة فقال له: إن طائرتي تقف هامدة في المطار فهل تأمر جلالتك بإمدادي بالوقود وأنا على استعداد لدفع الثمن بالسعر الحر. يقول كسنجر: فلم يبتسم الملك  بل رفع رأسه نحوي وقال على الفور: وأنا رجل قد كبرت سني وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت. فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية ؟

 

وصدق الله العظيم إذ قال  عنهم: (…اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا )الإسراء (104)