رئيس الوقف السني العراقي: المزاوجة بين التشريع والقيم الأخلاقية من مزايا الإسلام وخصائصه
قال الدكتور مشعان محيي علوان، رئيس الوقف السني العراقي: إنه مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلِيَّ أَن أقومَ بِزِيَارَةِ مِصْرَ، أَرْضِ الْكِنَانَةِ، وإِحْدَى الدوَلِ الْقَائِدَةِ فِي الْأُمةِ الْإِسْلَامِيةِ، وأن أكونَ فِي رِحَابِ أَزْهَرِها الشرِيفِ، مَنَارَةِ الْعَلَمِ وَالْإِيمَانِ الْكُبْرَى، وَكَمْ هُوَ عَظِيمٌ أَنْ يُدْعَى الْمُخْتَصونَ فِي الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيةِ إِلَى هَذَا الْمُؤْتَمَرِ، الذِي يناقشُ قَضَايَا تَهم الْأُمةَ، وَالْمُجْتَمَعَ الْبَشَرِي بأسرِهِ.
جاء ذلك خلال كلمته بالمؤتمر مضيفًا فضيلته أن له مع القضايا التي يناقشها المؤتمر وَقَفَاتٌ سريعةٌ منها الْأَخْلَاق فِي الْإِسْلَامِ: يَكْفِي لِمَعْرِفَةِ أَهَميتِهَا فِيهِ أَنْهُ جَعَلَ الْأَخْلَاقَ غَايَةً كُبْرَى وَهَدَفًا أَسْمَى لَهُ، فِي عِدةِ آيَاتٍ قُرْآنِيةٍ.
وأشار فضيلته إلى أنه فِي حَضَارَتِنَا الْإِسْلَامِيةِ حَمْلَ الْمُعَلمِ اسْمًا ثَانِيًا هُوَ (الْمُؤَدبُ)، وَهَذَا دَلِيلٌ عَمَلِي مِنْ حَيَاةٍ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَن الْأَدَبَ وَالْأَخْلَاقَ وَالترْبِيَةَ مُقْتَرِنَةٌ بِالتعْلِيمِ، وَمُتَقَدمَةٌ عَلَيْهِ.
وأكد ارتباطَ الْفَضَاءِ الْرقمي بالأخلاق، فَإِن الْإِسْلَامَ قَدْ وَضَعَ أَحْكَامًا وَمَبَادِئَ تَحَكمُ الْحَيَاةَ كُلهَا، وَهِيَ تَشْمَلُ الْفَضَاءَ الرقْمِي كَمَا تَشْمَلُ الْوَاقِعَ، فَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْقِيَمُ الْأَخْلَاقِيةُ وَاحِدَةٌ هُنَا وَهُنَاكَ، وَمِنْ ثَم فَالْحُكْمُ الدينِي وَالْأَخْلَاقِي يَتَكَيفُ مَعَ طَرِيقَةِ الِاسْتِخْدَامِ لِهذِهِ التَطْبِيقَاتِ، فإِنْ اسْتُخْدِمَتْ فِي الْخَيْرِ فَهِيَ جَائِزَةٌ أَوْ مُسْتَحَبةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ شَرْعًا، وَهِيَ عَمَلٌ أَخْلَاقِي، وَإِنْ اُسْتُخْدِمَتْ فِي الشر فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ أَوْ مُحَرمَةٌ، وَهِيَ عَمَلٌ لَا أَخْلَاقِي.
ولفت فضيلته النظر إلى وقفة أخرى، وهي مَعَ الْإِلْحَادِ، معتبرًا إياه بأنه لوثةٌ فكريةٌ تظْهَرُ فِي كُل عَصْرٍ، لَكِنهُ لَمْ يُشَكلْ ظَاهِرَةً فِي أَي مُجْتَمَعٍ مِنْ الْمُجْتَمَعَاتِ فِي يَوْمِ مَا، وَبَقِيَ مَحْصُورًا بِأَقَليةٍ صَغِيرَةٍ، حَدِيثُهَا عَنْهُ يَدْخُلُ فِي بَابِ الترَفِ الْفِكْرِي، وَصَرحَتْ دِرَاسَاتٌ نَفْسِيةٌ وَاجْتِمَاعِيةٌ أَن الْمُلْحِدَ يَعِيشُ تَنَاقُضًا صَارِخًا، فَهُوَ فِي قَرَارَةِ نَفْسِهِ يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْوُجُودِ الْإِلَهِي، لَكِنهُ فِي الْعَلَنِ يَتَظَاهَرُ بِإِنْكَارِ الْإِلَهِ وَجُحُودِهِ، مشيرًا إلى أن عِلَاجَ الْإِلْحَادِ لَا يَتِم إِلا بِمَزِيدٍ مِنْ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ.
وأوضح فضيلته أن نُدْرَة الْمَوَارِدِ الِاقْتِصَادِيةِ، تتطلب التحلي بِقِيَم الرحْمَةِ وَالْمَحَبةِ وَالْإِيثَارِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالتكَافُلِ، وَتِلْكَ كُلهَا قِيَمٌ أَخْلَاقِيةٌ إِسْلَامِيةٌ.
وتطرق فضيلته إلى وقفة أخرى وهي مع خِطَابِ الْكَرَاهِيَةِ مؤكدًا أن الْإِسْلَام رَسَم طَرِيقَة لِلتعَامُلِ مَعَ الْآخَرِ الْمُخَالِفِ دِينِيًّا أَوْ مَذْهَبِيًّا أَوْ عِرْقِيًّا، وَمَعَ الْأَعْدَاءِ وَالْخُصُومِ، تَقُومُ عَلَى الْأَخْلَاقِ.
واختتم فضيلته كلمته قائلًا: وباسْتِقْرَاءِ هَذِهِ الْقَضَايَا وَغَيْرِهَا نَجِدُ أَنهَا ذَاتُ صِلَةٍ بِالْأَخْلَاقِ فِي الْإِسْلَامِ، كَمَا أَنهَا ذَاتُ صِلَةٍ بِتَشْرِيعَاتِهِ، وَهَذِهِ الْمُزَاوَجَةُ بَيْنَ التشْرِيعِ وَالْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيةِ مِنْ مَزَايَا الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ، وَالْبَشَرِيةُ بِأَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ وُفِقَت الْجِهَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى هَذَا الْمُؤْتَمَرِ الْعِلْمِي، فِي انْتِخَابِ الْمَوَاد الْعِلْمِيةِ، وَانتقاءِ الْبَاحِثِينَ، وَاخْتِيَارِ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ الْمُنَاسِبِ، هَذَا فَضْلًا عَنْ حُسْنِ الضيَافَةِ وَالترْحِيبِ، فَلَهَا نُسَجلُ الشكْرَ وَالْعِرْفَانَ، مَعَ أُعَطرِ تَحِيةٍ.