الشيخ أشرف محسن يكتب: أفكار الأمم
إن مجموع الأفكار التى فى عقول الناس وتشكل واقعهم وحياتهم ومستقبلهم، فى كلماتهم وأعمالهم وضحكاتهم وأفراحهم وأحزانهم، وتسرى فى وجدانهم سواء عرفوا ذلك من أنفسهم أو جهلوه، إنما هى مجموعة أفكار مفكريهم وفلاسفتهم وذوى الرأى منهم وسياسيين وأصحاب مناصب…..الخ من أهل الشأن.
لكن الحقيقة الفعلية أن من يبنون واقع الناس وأفكارهم وفلسفتهم، قلة قليلة جدا من الناس لا يتكررون فى الجيل الواحد أكثر من مرة، بل ربما لا يتكرر الواحد فيهم إلا فى عدة أجيال، وتكون مدد حياتهم سريعة، إلا أن أفكارهم تبقى فى أذهان الناس مدد متطاولة، حتى يأتى مفكر آخر أو فيلسوف أخر أو مصلح آخر فيبنى للناس مذهبا جديدا، هذا إذا كانت أفكار بنائة.
وربما تغيرت أفكار الناس إلى الأسوأ، إما بفعل حروب تأكل الأخضر واليابس وتنزع من الناس حياتهم، وتقتل تلك اللحمة التى كانت بين الناس، أو يكون ذلك بسياسيين يذيقوا الناس ويلات الحروب وهم فى بيوتهم، فتمتلأ حياة الناس بما يقارب أو يزيد على ما تفعله الحرب بالناس، من الذلة والصغار والهوان، فيظهر الجهل والجبن الخور وعدم الحرص على شئ إلا أن يحافظوا على حياتهم وأقواتهم
ولو نظرت فى رسالات الرسل وجدت أنهم صلوات الله وسلامه عليهم أحدثوا ذلك الأثر في حياة الناس، فثارث أفكار الناس بما ملأهم من دعوة الرسل، فيبنون جيلا جديدا، له أفكاره وعقائده وفلسفته.
وكذلك ورثة الأنبياء من العلماء الربانيين، يحملون الناس على تغيير أفكارهم كفعل الأنبياء فى قومهم.
وربما كانت فلسفة أحدهم خاطئة، إلا أنه وصل بها إلى الناس، فالشيوعية فلسفة ماركس ولينين، وصلت إلى الناس فتغيرت بها حياتهم، مذهب الشك عند ديكارت فى جانبه النظرى حمل أفكارا خاطئة فكانت فلسفة شكلت وعى جماعة كبيرة من الناس
وكذلك علم النفس لفرويد مع أنه محض نظرية نفسية إلا أنه كان له أبلغ الأثر فى نفوس أوربا كلها، وقد جاءت هذه النظرية بعد نظرية التطور لدارون فشكلا وجه الفكر الأوربى فى آخر مائتى عام، وكل الفلسفات التى نشأت بعدهما فى أوربا متأثرة بهما أشد التأثر
وعندنا فى بلادنا مصلحين حملوا لواء الفكر وكونوا مدرسة من المصلحين، بدأ ذلك برفاعة الطهطاوي ومصطفى كامل، وتكامل هذا بجمال الدين الأفغانى وتلميذه محمد عبده وسعد زغلول ورشيد رضا، وما زالت أفكار هؤلاء تعمل عملها فى الناس، وظهر بعدهم من حمل مشاعل الفكر فى المجتمعات العربية والإسلامية.
فالناس تتغير أفكارهم وقيمهم تبعا لمصلحيهم، بل تتغير الدول وتتشكل بهذه الأفكار وربما كان ذلك بعد موت صاحب الفكرة والفلسفة، بل الغالب كذلك، فالناس فى عوائدهم يخضعون لفكر مفكريهم وفلاسفتهم