الشيخ أشرف عبدالمحسن يكتب: الجديد والتجديد

 

الفرق بين هاتين اللفظتين هو الفرق بين الليل والنهار والعلم والجهل، إذ الجديد هذا مالم يكن وأما التجديد فهو كائن موجود يحكى عن نفسه، ظاهر المعالم محدد الأصول لا يحتاج إلى إبانة إنما يحتاج إلى نزع ما علق به فغير بعض مظهره، أو بعض ما بلى منه يحتاج إلى ما يصلحه.

مثل تجديد الخطاب الديني، ما هو؟ أهو أن نأت بدين جديد كل الجدة أم هو إبانة عن الدين الذى أنزله الله؟ أم هو كيف نخاطب الجماهير بهذا الدين؟ أم هو البحث فى المسائل التى جدت وتجد؟
يقينا ليس هو البحث فى صلاحية أصول الدين لهذا الزمان أو زمان آخر، ولا البحث فى القرآن والسنة أن نأخذ منه ما يوافق أهوائنا وأن ندع مالا يوافق تلك الأهواء، بل الحق فى ذلك هو كيف نستفيد من الخطاب الشرعى فى خطاب الناس وأن نعرض ذلك الخطاب عرضا يوافق عقول الناس وحدود ما يستطيعون تحمله إذ لابد أن نخاطب الناس بما يعرفون لا أن نخاطبهم بما ينكرون ونحن بذلك لا نخترع دينا من عند أنفسنا، إنما نهتدى بما أنزل الله، ولا نفهم الدين بغير ما فهمه أهله الذين نزل القرآن بلغتهم، والذين سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ حتى لو خرجنا فى فهمنا عن حدود اللغة، وعن حدود التطبيقات التى طبقت فى العصور الأولى، كنا كمن اخترع دينا من عند نفسه، وبذلك يمكن أن نقول هذا دين جديد، وهذا مالا يستطيعه مسلم يعلم حدود ما أنزل الله فيقف عند ما أنزل الله.

والتجديد الذى تكلم فيه الناس، كما هو حال كل قضية دائما الناس فيها طرفان ووسط، فأما الطرف الأول فذلك يكتفى بنفس الخطاب الأول فلا يتبدل عنه ولا يحيد ويرفض أن يغير ذلك الخطاب فضلا عن أن يجتهد في قضية حادثة، أو هو يتمسك بأقوال أصحاب المذاهب الإسلامية، هؤلاء العلماء كانوا يتكلمون و يحكمون على قضايا عصرهم بظروف عصرهم، فها هو الشافعى رحمه يغير مذهبه القديم الذى كان في العراق إلى مذهبه الجديد الذى كان فى مصر فهل كان الشافعى فى القديم أو الجديد يخترع دينا ؟ كلا، بل كان يتلمس الشرع الحنيف في كل أقواله.

والطرف الثاني، فذلك لا يرى أن يكون الدين له إماما فى الفهم والأخذ والعطاء، إنما يجعل عرف الناس وعاداتهم وما يحبون هذا هو الدين ثم يحاول حمل النصوص على آرائه، فالحرام عنده هو مالا يحتاج الناس إليه، بالأعمال الشرعية التى عليها مدار النجاة لا يلتفت إليها، ويجعل أن النجاة كلها فيما يعتقده القلب مهما فعل، وقطعا هذا ليس هو الدين الذى أنزله الله، وجملة هؤلاء لم يتعلموا العلم ولم يجالسوا العلماء، إنك تجد الواحد فيهم لا يحسن أن يقرأ الآية من كتاب الله فضلا عن أن يحفظها، ثم تجده يتكلم فى دين الله، ويسمون أنفسهم باحث في الشؤون الإسلامية.

والقسم الثالث وهم الوسط وهم أهل العلم، فهؤلاء يجتهدون فيما يجد من وقائع تمس حاجة الناس، متماشين مع الأصول الشرعية، وبذلك يكونون مع الأمة فى كل قضاياهم، وأيضا يحسنون عرض هذا الدين على الناس، يخاطبونهم بلغتهم لا يخاطبونهم بلغة السلف، فإن السلف الصالح أنفسهم كانوا يخاطبون مجتمعاتهم بلغتهم لا بلغة غريبة عنهم.

 

اقرأ أيضاً..إقرأ كثيرًا واصنع شخصيات معقدة.. أشهر ٩ نصائح لكتابة الرواية

كيف دخل عبد السلام النابلسي عالم الطرب؟.. القصة كاملة