أحمد فرحات يكتب : المرأة

 

المرأة هي المرأة في أي زمان وفي أي مكان، إن اعتدلت اعتدلت معها الدنيا كلها، وإن مالت مال معها ميزانها، تقلب العش الصغير حدائق، وتقلب القصر المنيف خرابا ، فإن شاءت شاء الزمان لها،وإن أبت أطفأت قرص الشمس في ضحاه. لم يكن دور المرأة في المجتمع العربي أقل من دور الرجل قوة وجسارة؛ فعمل البيت لم يكن كل همها بل انغمست في القضايا الكبرى، وأبانت عن رأيها، وكم من قرار اتخذه الرجال الصناديد فحوّلته المرأة وقلبت الموازين، وكم تدخلت في صنع قرار يناسب كرامتها. وإذا قالت المرأة أصغى الجميع لقولها، فلم تكن أبدا مهمشة ولا ذات جناح ضعيف.

تسببت أبيات الزهرء بنت ربيعة في مقتل زوجها عامل الملك لبيد الغساني بعد أن لطمها فألبت نفوس إخوتها عليه فمالوا عليه وقتلوه فقالت:

مَا كُنْتُ أحْسَبُ والحوادث جَمَّةٌ***  أَنَّا عَبيد الحي من قَحْطَـــــــانِ

حتى أَتَتْنِي من لبيدٍ لَطْمَــــــــةٌ***  فَعَشَتْ لها مِنْ وَقْعِهَا العَيْنَــــانِ

 

وهذي عفيرة بنت عباد الجديسية التي يقال لها الشموس صورة للرفض والإباء العربي، فقد أرادت أن تحرض قومها على ظلم عمليق الذي بغى وظلم الناس، وكان أمره يقضي ألا تزوج بكر في بلاده إلا بعد أن يفتضها، وكان النساء يألمن لفعل عمليق، حتى جاءت عفيرة بفكرة تلهب بها حماس قومها، وتطرق نخوتهم ورجولتهم، فلما أن دخلت عليه افترعها وخلى سبيلها. فخرجت إلى قومها في دمائها شاقة درعها من قُبلٍ ومن دُبرٍ والدم يسيل وهي في أقبح منظرٍ، وهي تقول:

 

 

أيجْمُلُ مَا يُؤتَى إلى فَتَيَاتِكُمْ   وَأَنْتُم أناسٌ فيكمُ عددُ النَّمْلِ
وَتُصْبِحُ تَمْشِي في الدِّمَاءِ عَفِيْرَةٌ   جهاراً وَزُفَّتْ في النِّسَاءِ إلى بَعْلِ
وَلَوْ أَنَّنَا كُنَّا رِجَالاً وَكُنْتُمُ   نِسَاءَ حجالٍ لمْ نُقِرَّ بذا الفعلِ
فَمُوْتُوا كِرَاماً أوْ أَمِيْتُوا عَدُوَّكُمْ   ودِبّوا لنارِ الحرْبِ بالحَطَبِ الجَزْلِ
وَإِلا فَخَلُّوا بَطْنَهَا وَتَحَمَّلُوا   إلى بلدٍ قفْرٍ وَمُوتُوا منَ الهَزْلِ
     

والأبيات مفخرة للمرأة العربية الجاهلية التي تأبى الضيم والعار، وتستحث قومها بأسلوب تتجلى فيه السخرية والاحتقار من الرجال الذين يرضون الدنية وهم أهل عزة وشرف، وتكرس طاقتها الإبداعية للنيل من هؤلاء الرجال غير الغيورين على أعراضهم، وتؤثر الموت على قبول العار. ويتجلى ذلك في استخدام الاستفهام في البيت الأول بواسطة الهمزة، ثم ربط علاقة مباشرة بين رجال قبيلتها في كثرة عددهم بنسائهم المضافة إلى كاف المخاطبين، في صورة يأباها كل ذي ضمير إنساني، ثم تكريس الطاقة الإبداعية كاملة إلى محاولة قلب الأوضاع في العلاقة بين رجال قبيلتها ونسائهم، فلو أنهن صرن رجالا فهل يقبلن بهذا الوضع المخزي، في إشارة منها جلية إلى تحريض الرجال بصيغة الجمع.

ويبلغ التحريض مداه في استخدام صيغتين للأمر المباشر(فموتوا أو أميتوا) ففي الحالين تبدو معادن الرجال، وأن لا مفر من الحرب على كل ظالم كعمليق أو غيره. ويأتي الخيار الثالث في الأمر الضمني بالنفي والخروج من طاعة القبيلة، وهو مر شديد القساوة على العربي الغيور على عرضه، المتفاني في خدمة قبيلته ونسائه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى