أحمد فرحات يكتب : الصوفية

 

 

تعوّل الصوفية على الباطن أكثر من الظاهر، وترى في الوجود أسرارا تستعصي على عوام الناس، لكنها –أخيرا-اهتدت إلى طريقة فنية للوصول إلى قلوب الناس ” لقد رأت الصوفية في الكتابة الشعرية الوسيلة الأولى للإفصاح عن أسرارها، ورأت في اللغة الشعرية الوسيلة الأولى للمعرفة.. لقد استخدم الصوفيون في كلامهم عن الله والوجود والإنسان والفن: الشكل، الأسلوب، الرمز، المجاز، الصورة، الوزن، القافية، والقارئ يتذوق تجاربهم ويستشف أبعادها عبر فنيتها. وهي مستعصية على القارئ الذي يدخل إليها، معتمدا على ظاهرها اللفظي. بعبارة ثانية، يتعذر الدخول إلى عالم التجربة الصوفية عن طريق عباراتها. فالإشارة ،لا العبارة، هي المدخل الرئيس.”

وإذا أعدنا النظر في التجربة الصوفية قديما وحديثا وجدنا أنها ارتضت الشعروسيلة وأداة قوية لإبراز معالمها وتقنياتها المختلفة، بدءا من القناع والإسقاط والإشارة والرمز والمجاز والمرآة وغير ذلك من إجراءات فنية للوصول إلى فض شفرات النص الصوفي، ولعلنا في ذلك نرى تغييبا وإقصاء للعقل، بوصفه أداة للعلم والمنطق. ” إن مقاربة الوجود بوساطة العقل التحليلي المنطقي لا تزيد الإنسان إلا حيرة وضياعا .. فهذه الآلة المعرفية (العقل) تشبه كما يرى الصوفي، العين التي تحدق في الشمس لكي تراها، فيعميها البريق والتوهج. إنها تزيد الرائي جهلا. هكذا يزداد الظلام بقدر ما نعتمد العقل في معرفة الوجود.”  وزوال العقل هو ما تسميه الصوفية بـ”الفناء” والفناء بهذه الدلالة، هو إذن البقاء في أبهى درجاته وأغناها.

 

يلجأ الشعراء إلى الكتابة الصوفية لانكشافها على عالم جديد غير نمطي، عالم سجن الشعراء فيه أنفسهم بلغة تكاد تتكرر وتنعاد بشكل أو بآخر، فأراد الشعراء أن يكتبوا بلغة قديمة جديدة تلبية لرغبات نفسية طالما عانى منها الشعراء عبر رحلة الشعر العربي نفسه من الجاهلية إلى الآن. وربما أراد الشعراء إدخال بعض التعبيرات الصوفية التي مضت عليها حقبة زمنية كبيرة، فأرادوا إحياءها وتضمينها رغبات نفسية تكشف عن عالم داخلي، لا مرئي، عساه أن يصور شعورهم تصويرا مختلفا عن اللغة التقليدية المنطقية.  فـإن ” في الوجود جانبا باطنا، لا مرئيا، مجهولا، وأن معرفته لا تتم بالطرق المنطقية – العقلانية، وأن الإنسان دونه، دون محاولة الوصول إليه كائن ناقص الوجود والمعرفة، وأن الطرق إليه خاصة وشخصية”

 

ووجد الصوفيون في اللغة العربية جانبا  لما يلق عليه الضوء حتى الآن؛ فالكتابة الصوفية باللغة العربية تجربة على صعيد الكتابة تعد “حركة إبداعية وسعت حدود الشعر، مضيفة إلى أشكاله الوزنية، أشكالا أخرى نثرية نجد فيها ما يشبه الشكل الذي اصطلح على تسميته، في النقد الشعري الحديث، بـ” قصيدة النثر”. و” بهده اللغة تخلق التجربة الصوفية عالما داخل العالم، تتكون فيه مخلوقاتها، تولد وتنمو، تذهب وتجيء، تخمد وتلتهب، وفي هذا العالم تتعانق الأزمنة في حاضر حي.”

شغلني سؤال: الكاتب أو الشاعر الذي يكتب في الصوفية هل يمارس طقوسها ومظاهرها من تقشف وزهد ودروشة وشطحات؟ وهل الفكر الصوفي له علاقة-من قريب أو بعيد- باللادين؟