أحمد فرحات يكتب :الانعكاس الذاتي

 

يشير مصطلح الميتا شعر إلى التنظير أو الوصف أو الكلام على الشعر ضمن إطار العمل الشعري نفسه. وهو عند الغربيين يعني منعكسا ذاتيا  لوصف الشعر الذي يعكس ذاته ويتفحصها، ويرجع تاريخ الكتابات الميتاشعرية إلى الشاعر الروماني هوراس في قصيدته المشهورة «فن الشعر» التي يقدم فيها النصائح والتوجيهات للشعراء والكتاب المسرحيين. إلا أن هذا النوع من الكتابة الشعرية أقرب إلى النقد المنظوم بحيث يلعب الشاعر دور المنظر أو الناقد ويكون الشعر، وزنا وقافية، مجرد قالب أو إطار لهذا التنظير النقدي.

 

وفي ال يعيد الشاعر النظر في موقعه إزاء الشعراء الآخرين وإزاء تراثه الشعري، فنراه يسائل نفسه ويمتحنها، نراه يتفحص الشكل الشعري ويعيد تركيبه. ويبدو أن حديث الشعر عن الشعر، ووضع الشاعر نفسه مكان الناقد، يتحدث بلسانه داخل بنية العمل الشعري نفسه، فيبين لنا الغرض الشعري، ومكانة الشعر، وتوجهاته، ومنحياته، وتحولاته الفنية والموضوعية، والغرض من القصيدة، وعناصر بنائها، والحديث عن القافية والعروض، والقصيدة الصادقة والمزيفة، .. بإيجاز الميتا شعري خطاب حداثي مستعار من شعراء الأجداد في الجزيرة العربية.

 

فإذا ما حاولنا النبش في الشعر القديم وجدنا الشاعر يتقمص دور الناقد، ويرتدي إيهابه، ولغته، ومصطلحاته النقدية ربما لعدم ثقة الشاعر في دور الناقد آنذاك، أو لبيان قيمة فنية لمنجزه الشعري، فما أيسر نقد الشعر للشاعر نفسه!

يقول ابن الرومي:

ألم تر أنني قبل الأهاجي  أقدم في أوائلها النسيبا

يوضح ابن الرومي أن تقديم النسيب على الهجاء أمريحتمه نهج القصيدة لديه، فهو يبدأ بالغزل ليصل إلى قارئه سريعا، فحاجة النفس إلى سماع الغزل أشد من غيرها. ويبين دور الشاعر وإظهار معاناته وهو ينظم الشعر كأنه يقلع من صخر، ثم يبين دور المادح والممدوح، والشعر والشعراء في المنافسة بينهما؛ فالانعكاس الذاتي تتأمله بجلاء في قوله:

تذكرْ هداك الله أني مادح        وأنك ممدوح فلا تعدُ بي قدري

ينافس في الشعر النظيرُ نظيره وجلّ ملوك الناس عن ذلك النّجر

تتطور ظاهرة الانعكاس الذاتي عند الشاعر حسن محمد الزهراني بشكل لافت حيث ترتفع نبرة شعره ليكون صدى لأنات الآخرين، وتجاوبا لمعاناتهم، فيقول:

بدموعهم سطرت أبياتي وبوجدهم شرقت عباراتي
شعري صدى أناتهم وأنا لنحيبهم أوقفت ساعاتي

ولعلنا نلحظ اتكاء الشاعرة السعودية وفاء الغامدي على ترديد كلمة الشعر كثيرا في قصائدها، فتقول:

الشعر ليس قصائدا منظومة   الشاعرية أن تصوغ مشاعرا

وكأن الشاعرة تسائل نفسها عن مفهوم الشعر، وغايته، وتجد الإجابة مصاغة شعريا بأنها تنفي عنه صفة النظم، وتؤكد أن الشعر يصوغ المشاعر ويحدد اتجاهها.

وفي قصيدة”نزال” تصور المعاناة الحقيقية للشعر وأدوات كتابته.

نازلت بالشعر همي حين نازلني  هزمته وتمادى في مجاراتي
أدلل الهم بالأشعار أغزلها شالا يدثر أكتاف الشتاءات..