أحمد فرحات يكتب : ” الناقد والأكاديمي “

يشغل الأكاديمي مكانة علمية سامية، يعلم الطلاب قواعد النقد الصحيحة عبر نافذة محددة سلفا، رسم معالمها آخرون، فهو يسير وفق منهج مقنن، كقطار يسابق الريح فوق القضبان، لا يحيد عنها أبدا، وإذا حاد مال وهوي وتحطم.
أما الناقد فهو ربيب بيت النقد، تعلم على يد الأكاديمي، بيد أنه ركب دراجة نارية، يجوب بها الصحاري والوديان، ويصل أسرع من القطار، لينجز مهمته.
يستقي الأكاديمي مادته من الأصول والمنابع، ومن طرق مدروسة سلفا، وغالبا يتعثر أمام جموح المبدع، ولا يستطيع اللحاق بأفكاره، يصيب مرة، ويخطئ مرات.
الناقد حر في أفكاره، ينطلق من الواقع الملتهب، يحاذر في كل كلمة، أو عبارة، مخافة أن تنفذ نقداته إلى القلب فتميته، فهو على قلق دائما.
الأكاديمي يتعامل غالبا مع الأدباء الموتى، فلا يفرق معه أن يدعي المتنبي النبوة من عدمه، ولا أن ينتقص من أخلاق أبي نواس، ولا أن يطعن في ولادة بنت المستكفي أو لا يطعن، يستوي الأمر لديه.
الناقد مرن في أحكامه وتحليله ونقده، لأنه يدرك ما فوق المناهج المعدة سلفا، ويعلم أن سقف الإبداع لا حد له، وخيال المبدع مجنح وطائش، مرن في تناوله للقصة، أو القصيدة واعتبارها عميقة أو سطحية، سارق صاحبها، أو أصيل، هو خبير بنفوس المبدعين بشكل أعمق، محب لهم، تجري في دماه المحبة خالصة.
الأكاديمي اعتاد أن يُستمع إليه، ويطيع أوامره الدارسون، فلا أحد يعارضه من طلابه، ولا يأبه بهم، لا يستطيع أن يقاتل على رأيه، أو يدافع عنه، فقط غايته رضا أساتذته الذين يتقدم إليهم للترقية، ولذا فكتابته محكمة دقيقة، تراعي المنهجية والضبط. وخروج المبدع عن القواعد العامة للكتابة يقلق الأكاديمي جدا. وربما يحرجه.
للناقد حرية لا تتوافر للأكاديمي، فهو ذو ذائقة خاصة تكون حاسمة في تقدير العمل الأدبي الاستثنائي، وتعد هذه الذائقة معيارا حاسما في قبول الأعمال الإبداعية أو رفضها.
الأكاديمي اعتاد أن يدرس النماذج العليا في فضاء الأدب ومداره، امرئ القيس والمتنبي وشوقي و..، ومن ثم فهو واجد ألف علامة وعلامة ترشده إذا ضل الطريق. فالمتنبي –مثلا- كتبت عنه ألف دراسة ودراسة، فهو يسترشد بالباحثين القدامى والمحدثين.
الناقد حر في اختيار مبدعه فهو يدرس مبدعا مغمورا لم يكتب عنه أحد قبله، فهو يسلك طريقا وعرة ليس فيها علامات أوسيمات مميزة يمكنه أن يستعين بها إذا لزم الأمر.
الأكاديمي له لغته، وأسلوبه، ومنهجه. غالبا تكون لغة غير شفافة، مخاتلة، مراوغة، متوارية، كالباب الموارب، لا هو مفتوح على مصراعيه، ولا هو محكم الإغلاق، ومن ثم تجد له عبارات(ربما- ولعل- و أخواتهما) بعيدا عن الجزم والحسم والدقة المتناهية.
أخذ الدكتور صلاح فضل (أكاديمي) على الروائي يوسف زيدان بعض المآخذ في نقده لرواية”ظل الأفعى” فقال: إن من يدخل مدينة الرواية عليه أن يحترم قوانينها” فأجابه زيدان:”وما قوانين الرواية حتى نحسب قدر انحرافي عنها؟”