أحمد فرحات يكتب :التسامح

 

 

تدبر أمرك جيدا قبل قرار التسامح أو عدم التسامح، فإما أن تسامح تماما أو لا تسامح على الإطلاق، اتخاذ القرار صعب وليس سهلا. الأصل في التسامح أن تستطيع الحياة مع قوم أنت تعرف يقينا أنهم مخطئون. ففي التسامح ترتجف قلوب الحاقدين وترتعش نفوسهم فلا يقدرون على مواجهة المتسامح، تسامحك للعدو أسهل كثيرا من مسامحة الصديق.

 

جمع رسول الله -صلى الله عليه- وسلم جيشا كبيرا، وقرر فتح مكة، وقد أعد ما استطاع من قوة ومن رباط الخيل ليرهب المشركين في مكة. جاء عبد الله بن أمية بن المغيرة ومعه أبو سفيان بن حرب، وقد عاديا رسول الله عشرين سنة، حتى قال بن المغيرة: والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيها وأنا أنظر إليك فتأتي بصك وأربعة ملائكة يشهدون لك أن الله أرسلك. ولم ينس الرسول الكريم إساءته إليه. وقال أبو سفيان شعرا معتذرا فيه:

هداني هاد غير نفسي ودلني   على الحق من طردت كل مطرد

فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صدره وقال:

أنت طردتني كل مطرد.

سامحهما الرسول الكريم، وأكرمهما. وقال: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم.

حاول صلاح الدين أن يقلد الرسول الكريم، فعفا عن الصليبيين في حطين، فجمعهم في مكان قريب من البحر، وسامحهم، فما كان منهم إلا أنهم استخدموا البحر وجاءهم مدد من أوروبا وعادوا إلى بيت المقدس وهزموا المسلمين فمات صلاح الدين غما وحزنا. فقد أخطأ صلاح الدين في تسامحه معهم، لأنه لم يذهب إليهم في عقر دارهم، ولم يخرجهم من الأراضي العربية، الشجعان لا يخشون التسامح من أجل السلام. التسامح يكون من قوة وقدرة ، فإذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه. وفي التسامح لذة المنتصر.

وليس المتسامح ضعيفا، بل ذكيا وحاذقا، يصون نفسه وعرضه من أذى الحاقدين، ولابأس أن يظهر البِشر للذي يبغضه، فقال الشاعر:

إنِّي أُحَيي عَدُوِّي عنْدَ رُؤْيَتِهِ

لأدفعَ الشَّرَّ عني بالتحياتِ

وأُظْهِرُ الْبِشرَ لِلإِنْسَانِ أُبْغِضهُ

كما إنْ قدْ حَشى قَلْبي مَحَبَّاتِ

النَّاسُ داءٌ وَدَاءُ النَّاسِ قُرْبُهُمُ

وفي اعتزالهمُ قطعُ المودَّاتِ

وقال:

فالعفو عن جاهل أو أحمق أدبٌ        نعم وفيه لصونِ العِرض إصلاحُ

إن الأُسود لتخشَى وهي صامتة        والكلب يُحثَى ويُرمَى وهو نبَّاحُ

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.التغابن(14)

فقد جعل القرآن الكريم شرط مغفرة الله للزوجة أو الولد الذي يعق والده، أن يعفو، ويصفح، ثم يغفر. والفرق بينهم عظيم، فالعفو إسقاط العقوبة دون إسقاط الذنب، والصفح، ترك اللوم، والغفران هو الستر والخفاء.