أحمد فرحات يكتب : أرامام

 

يأتي حب الأب متأخرا، بعد أن يمر وقت طويل على الأبناء لا يقدورن قيمته الحقيقية. ويكون ذلك بمرور الزمن به أو المرض.البنات أكثر حرصا على الأب من البنين. ولا يختلف في ذلك أن يكون الأب غنيا أو فقيرا؛ عاطفة الأبوة لا تتغير ولا تتبدل ولا يمكن أن يحل الأب البديل عن الأب الحقيقي مهما أعطاهن من حب أو مال أو شهرة.

 

صور لنا القرآن الكريم عاطفة الأب تجاه أبنائه الذكور مع يوسف وإبراهيم ونوح وألقى عليها الضوء في آيات محكمات، كما صور لنا عاطفة الأمومة بكل منحنياتها مع موسى وعيسى عليهم السلام جميعا.

كان الأب مشهورا ثريا، لم يعترف بابنته من زوجته السابقة، كبرت البنت ولم تعرف غير زوج الأم الذي عاملها بالحسنى، حتى كبرت، جرفها الحنين إلى أبيها الحقيقي. انتشر الخبر هنا وهناك.

 

وقفت الفتاة بنت العشرين ربيعا وكنوزها الأنثوية تتدلى من جسمها البض أمام عين أبيها، فأشاح بيده أنابتعدي عني، لكنها بكل إصرار الطفولة والبراءة تتأمله وهو يبكي، واقتربت منه وهو جالس، هبطت على ركبتيه بيدها، تتأمل وجهه الباكي الحزين، مد إليها يده فقبلتها. ووضعت فوق جبينه قبلة وصرخت في وجهه بكل حب:

لو ناديتني يوما فتأكد أني سألبي نداءك يا حبيبي

وارتفع صوت الأب مخنوقا بدموعه:

كنت مستعدا للموت من أجلك

وكنت سأقلب الدنيا رأسا على عقب من أجلك

ولن أتصل(أرمام)

لن أتصل

لن أتصل

لن أتصل وأسأل عنك مرة أخرى

بربي وربك لن أتصل(أرمام)

حتى لو لم يشرق صباحي بعد مسائي لن أتصل

كم مرة جريت ورءاك وتبعتك

حطمت حياتي وهدمتها ألف مرة

كسرت قلبي هذه لمرة ولن أتصل .. لن أتصل يا حبيبي

إبراهيم تاتلس وابنته

اهتزت الأرض لبكائهما معا، ولم يعد بيت في تركيا لا يعرف ديلان وأباها تاتلس.

تخطئ الأم مرة فتورث الأبناء عارها العمر كله، ولا يعالج الزمن ندوبها وكلومها، حتى المغفرة والتسامح مرهونة بغفران الأب وتسامحه. جرت أرامام أجرأ أغنية بين إبراهيم تاتلس وابنته ديلان فاشتهرت الأغنية وارتفعت نسبة مشاهدة اللقطات التي تصور ضعف الأب أمام ابنته، وشدة حاجة البنت إلى أبيها ..

يخفي المجتمع أفضال الأب كثيرا، ويهمش دوره رغم أن دوره كبير، والمجتمعات التي تهمش دوره تعاني اضطرابا أسريا كبيرا. إن أَبَرَّ البِرِّ أن يَصِلَ الرجلُ وُدَّ أبيه.

قال النّبي صلّ الله عليه وسلّم: “رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد” وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (ثلاثُ دعَواتٍ مُستَجاباتٌ لا شَكَّ فيهِنَّ دَعوةُ الوالِدِ، ودَعوَةُ المسافِرِ، ودعوَةُ المَظلومِ).