فصل من رواية “داليدا” لـ حسين عبد العزيز

الرواية اى رواية لبد أن تكون مستفزة للقارئ لكى تحفزة على قرأتها، والمبدع هو الذى يكتب لنفسه لذاته ولا يشغل نفسه برأى القراء أو النقاد، وهذا يعنى أن الكتابة عملية استمتاع ذاتيه لبد أن يحس ويعيش فيها الكاتب قبل أى أحد.

وأنا أفعل هذا حتى مع المقالات، أى أنى أكتبها لكى أمتع نفسى أولا ومن هنا نعرج الى داليدا ) ونجد
قانون أرسطو للتأليف الأدبى الذى يقول فيه ( إن الصراع دون حل يؤدى إلى التوتر ) أى أن العمل الأدبي لبد له من صراعا ما، حتى يتمكن العمل الإبداعي من أن يفرض سطوته على القارئ الذى يبحث عن الحكى ومتعته، كما كان يسمع من جدته او الشيخ فى الموالد !) انتهت المداخلة.

إن رواية داليدا على العكس من رواية بالضبة والمفتاح للمؤلف ذاته، فقد اعتمد فى رواية بالضبة والمفتاح على الأفكار والصراع بين أفرادها وهو كان صراع وجودى.. حيث كان الكل يبحث عن ذاته وماهيته فى المحيط الذى يعيش فيه، وهو غير معنى بالآخر.
أما داليدا فهى بالعكس من هذا كله، حيث لا يوجد صراعا على حسب القانون الارسطى .. لانها مهتمه بالحكى ولذته ورفع الوعى لدى الطرف الثانى، فالفتاة تبحث عن الحكى لما ما به من لذة ومتعه، فتذهب إلى جدتها لان لديها من الحكايات ما لا ينضب كما شهرذاد.

وهذا يذكرني بجدتى وابي على وجه الخصوص فهو كان يقص حكايات مشوقه من التراث والسير الشعبية، وكان يحول كل ما قرائه إلى لغة بسيطه لكى أقدر على فهمها، وهنا لبد أن أذكر حكاية من تلك الحكايات ( مره واحد كان شغال فى عزبة، وكان الباشا صاحب العزبة يعلم أن هذا الرجل طماع، فقال له أركب حصانك واعدو به فى أى مساحة تصل اليها ثم تعود الى هنا قبل غروب الشمس سوف تكون لك.

وبالفعل ركب الرجل الحصان وأخذ يعدو بكل قوته ورغم أن الحصان تعب من العدو لكن الرجل لم يهدأ وأستمر فى العدو، ولما شعر بقتراب الغروب، لف بحصانه ليعود إلى نقطة البداية، لكن الحصان فقد القدر على الجرى، وسقط ميتا، وبعد أن تقدم بى الزمن وكثرت القراءة اكتشفت أن ما حكاه أبى كان ملخص لنص لتولستوى.

والان تعود الى داليدا؟ تلك الرواية تعلى من المكان وقيمة الحكى والقراءة؟ وتستفز القارئ، وتلك الرواية اخر ما كتبه الروائى، وفيها يؤرخ لطفولة المطربة العالمية داليدا، لأنه كما قال أن طفولة داليدا غنية جدا بالاحداث التى من خلالها يمكن أن نستشف الدوافع الذى دفعت بها فى نهاية رحلتها الحياته إلى الانتحار .

و تم سرد الأحداث من طرف الجده التى تحب الحكى كما شهرذاد التى كانت تحب الحكى وجعلت منه دواء نفسى لشرور الزوج او الرجل المشهور بأسم ” شهريار ” الى الحفيدة التى تحب السمع، كما شهريار هذا الرجل الذى وجد فى الحكى والأسطورة عالم أفضل من عالمه.

والحكى عن داليدا لم يتعدى طفولتها وشابها لأنى كنت معنى بتلك الفترة التى تعرفت عليها من خلال مجلة كانت تصدر بأسم ” داليدا ” وكل المحريين من شبرا او محبين لشبرا، ومن هنا تولدة فكرة كتابة نصا عن طفولة داليدا .

ثم بعد ذلك نجد الاصدقاء الثلاثة موظف الأوقاف محمد أبو حديد الاسكندرانى والذى يعيش فى شبرا ويسكن فى نفس البيت الذى يعيش فيه الخواجه الأرمانى ينى ويعمل فى وزارة الاوقاف و محمد عبده العباسى هذا المثقف الذى يقوم بعمل مهم هو الغوص فى باطن التاريخ لكى يخرج لنا بكل ما هو جميل ومثير. فنجده يحدثنا عن عبده الحامولي، ثم نجده يحدثنا عن الأمير عمر طوسون الذى كان ابى حسن عبد العزيز يحدثنى عنه كثيرا بسبب الخير الذى كان يفعله لأهل الأسكندرية.

وأخذ الأبطال الثلاثة يتبارون فى الحكى لكى لا يشعروا بالملل حتى يصلوا الى قرية ميت دمسيس حيث مولد مارى جرجس، وفى المولد سوف نجد أشياء كثيرة غريبة ومثيرة يحدث هذا لأن فى المولد وفى كل الموالد يحدث كل شئ.

وفى الرواية سوف نجد أنها تعلى من قيمة المكان، الذى هو شبرا ، إذن البطل فى الرواية هو المكان والمكان هو شبرا التى ما أن غادروها، حتى تجدد الشوق لها و اليها وتفجر بركان الحنين لكل شئ فيها وخصوصا الزوجات لأن الزوجات وطن يسكن فيه الرجال.

لذا لبدا أن يحن الواحد منا دائما الى وطنه الكبير والوطن الصغير ألا وهو الزوجة، وبقى أن نقول ان الراوى كان الأقل حضورًا، لأنه كان يراقب كل شئ من بعيد لكى يمنح الكل فرصته فى الحكى، لأن فى الحكى لسحر، كما فى ألف اليلة وليلة وحكى الجدات.

وفى الفصل الأخير .. يجب ان نقف عنده قليلا ..حيث أنه عن إمرأة اسمها أم زيتون وكان تمتهن الرقص ولكبر سنها توقفت عنه ولما قامت حرب حزيران ٦٧ واتى اهلنا من بور سعيد الى مدينة المنصورة موزعين على اكثر من مكان بالمدينة وقد ظهرو فى المنطة التى تسكن فيها تلك السيدة فكانت تجدهم يجلسون دون عمل ، ومره قالت لأحدهم، ماذا كنتم تعملون فى بلدكم قبل أن تأتون إلى هنا فقال كنا نشتغل فى تجارة السمك.
فقالت جميل، اذهبوا واتوا بالسمك، وبيعوا هنا.

وبالفعل فعل أهالينا المهجرين بما أشارت به أم زتون، ومن هنا انشئ سوق السمك بالمنصورة، وبهذا انتهى الحكى لان القطار عاد بالرفاق الثلاثة الى القاهرة وخصوصا الى شبرا ولديهم نيه على استمرار الحكى.

فى أحد مقاهى شبرا او فى العتبة حيث مقهى وخمارة البوسكات كما اشار بذلك العباسى، الذى كان معنى بالغوص فى باطن الأيام التى كانت قبل ثورة يوليو، لأنه يرى فى تلك الايام أشياء عظيمة لا يمكن أن تعوض .. وأجمل شئ هو أن أنتذكر تلك الأيام الجميلة من حياتنا.