حكاية أشهر متعهد حفلات في التاريخ تزوج 18 مرة بحثاً عن مارلين ديتريش

 

كان يعيش كما يعيش أصحاب النفوذ والجاه والسلطان .. وكان أصحاب الفرق وكبار الممثلين والمطربين يتقربون اليه ويخطبون وده، وكان المال ينهال عليه بغير حساب .. وقد بلغ من نفوذ الرجل وسطونه ان كانت جميع الفرق التمثيلية والغنائية تعمل لقصته ألف حساب حتى الفرق التى لاتربطه بها اية علاقة ، فهو اذا ماغضب من احدى الفرق سخر ماله وجهوده ليقضى عليها بين يوم وليلة
أنه المعلم صديق أحمد متعهد الحفلات الغنائيه والتمثيلية والذى كانت الصحافة تلقبه بسلطان شارع عماد الدين منذ 25 عاما ولنترك السلطان السابق لشارع عماد الدين يروى حياته، في حوار أجرته معه مجلة الكواكب في عددها الصادر عام 1977، وإلى تفاصيل حياته بحسب ما رواها.

من مواليد جرجا

اننى من مواليد جرجا ومن اسرة معروفة هناك ،وقد بدأت علاقتى بالفن فى مسقط رأسى حين زارت البلدة فرقة من البهلوانات ، وقد أعجبتنى حركات البهلوانات والسيرك ، فكنت أقتصد من مصروغى المدرسى ثمن تذكرة الدخول كل ليلة الى هذا السيرك ، وكان والدى يملك ثلاث مراكب شراعية تنقل البضائع بين جرجا والقاهرة.

 

وذات مرة صحبنى فى أحدى رحلاته الى القاهرة بعد ألحاح شديد منى، وكنت قد بيت النية على أمر ما فلما باغنا القاهرة تفقدنى والدى فلم يجدنى.
هربت من المركب إلى شوارع المدينة بحثا عن حي الفنانين ، فقد هويت الفن وقررت أن أعمل به .. وكنت يومئذ لا أتجاوز سن السابعة عشرة من عمرى.

وسألت الناس عن الفنانين ، وقادنى أحدهم الى “دار التمثيل العربى ” حيث كان يعمل المرحوم الشيخ سلامة حجازى .. وانتظرت يومين حتى استطعت أن أقتصد ثلاثة قروش صاغ ثمن التذكرة ! وبدأت أبحث عن عمل لا فتات منه واوفر من بعضه أجر الدخول الى مسرح الشيخ سلامة ، وتعرفت الى بعض أبناء جرجا الذين هيأوا لى أسباب العمل فاشتغلت بائع لب وسودانى ثم بائع خضروات ، وكان همى الاول أن اجد ثمن تذكرة الدخول فقط وكثيرا ما اضطررت الى النوم فى اعلا التياترو بعد انتهاء التمثيل لاننى لم اكن أملك أجرة المبيت فى الفندق الذى كنت أنزل به ..

 

وكانت هوايتى تستبد بى يوما بعد يوم الى أن جاء وقت كنت لا أطيق فيه الابتعاد عن المسرح دقيقة واحده ، وكان خيالى الصغير يصور لى الحياة معه بصورة جميلة ، وتقدمت ذات مرة الى شخص اسمه “عبده الدهشان ” وكان يعمل “اعلانجى ” فى ذلك الوقت مهمة خطيرة الشأن ، تقدمت الى عبده الدهشان هذا وطلبت منه أن يلحقنى بالعمل معه كموزع اعلانات ، فوافق الرجل وكان عملى هذا هو أول سطر فى تاريخ علاقتى بالفن
منيرة المهدية .

وأقبلت على عملى الجديد بفرح وغبطة ، فقد أصبح من حقى كموزع اعلانات أن أدخل الى المسرح فى أي وقت أشاء دون أن يطالبنى أحد بثمن تذكرة الدخول .. وأمضيت فى عملى هذا أكثر من ثلاث سنوات .. وفجأة مرض الشيخ سلامة بالفالج فلزم فراشه وأغلقت أبواب المسرح .

وكانت السيدة منيرة المهدية تعمل فى ذلك الوقت مطربة فى صالة اسمها “نزهة النفوس ” فأشار عليها المرحوم على يوسف متعهد الحفلات أن تكون فرقة غنائية تعمل بها على مسرح دار التمثيل العربى وتقدم روايات الشيخ سلامة وتقوم بأدوارة فى نفس الوقت .. وتوليت أنا ، فى فرقة السيدة منيرة المهدية ، مهمة “الإعلانجى” واستلفت نظرها بنشاطى وأمانتى وغيرتى على العمل، فقربتنى اليها حتى أنها كانت تقتصد لى من مرتبى بعض المال من عندها .. وذات يوم وجدت مرتبى بسيط جدا فقررت ان اضاعف من ايرادى وذلك باستئجار “اعلا التياترو” لحسابى واستطعت فى خلال عامين أن أجمع رأس مال شجعنى أن أستأجر وحدى عدة حفلات كاملة ثم أربح من ورائها كثيرا .

اكتشفت أم كلثوم

وكان لى أتباع يعاونونني على توزيع تذاكر الحفلات التى أستأجرها ،وكان بين هؤلاء الاتباع ساع بوزارة الزراعة اسمه الشيخ محمود أبو زيد وجاءنى ذات مرة يقول لى _لقد سمعت عن مطربة من الأرياف تغنى التواشيح فاتفقت معها على أن تحيى حفلة بحى المناصرة فهل تحضر لتسمعها ؟

ولبيت دعوة الشيخ أبو زيد وذهبت الى مكان الحفلة ،فوجدت فتاة صغيرة السن تلبس العقال العربى وحولها ثلاثة مشايخ يقومون بدور البطانة .. وكان صوتها جميلا وهي تنشد قصائد المديح النبوية ،وأعجبنى صوتها جدا ، وتقدمت اليها مهنئا وعرفت أن أسمها أم كلثوم وأن أحد الشيوخ الثلاثة هو والدها ، والثانى شقيقها الشيخ خالد ، والثالث من أقاربها ، واتفقت معها على أحياء حفلة على مسرح “برنتانيا ” القديم مقابل ثمانية جنيهات .

 

وكان نجاح هذه الحفلة أكبر مشجع لى على أن أتعاقد معها على أحياء حفلتين كل أسبوع وأستأجرت لها صالة “سانتى” المواجهة للباب البحرى لحديقة “الاريكيه” وكنت أستأجر الصالة مجانا مقابل أن أترك أرباح المشروبات لصاحبها وكانت أرباحى لا تقل عن 150 جنيها أسبوعيا من حفلات أم كلثوم وأشهد أن أم كلثوم لم تكن تهتم بالمال فى ذلك الوقت ، وقد مضيت اعمل متعهدا لحفلاتها مدة 16 عاما كاملة جمعت من ورائها ثروة ضخمة جدا فرقة رمسيس .

ولما عاد يوسف وهبى من أوربا ، وكون فرقة رمسيس عام 1923 ، حاول أن يتفق مع المتعهدين ليعملوا معه ولكنهم رفضوا جميعا خوفا من الخسارة ، فإن الجمهور فى ذلك الوقت كان يميل الى الغناء والتمثيل الفكاهى ، أما أنا فقد ذهبت لمقابلته ولمست من حديثه انه سيقدم شيئا جديدا غير مألوف عند الجمهور ، ولما كنت أعرف ، بحكم خبرتى ، أن الجمهور يميل الى كل جديد فقد تعاقدت معه .. وكسبت من عملى مبالغ طائلة .

أعلنت الحرب على عبد الوهاب

وكان عبد الوهاب قد بدأ يلمع كمطرب ، بعد أن أصبحت أم كلثوم مطربة ناجحة يقبل الجمهور على حفلاتها، وخشيت أن يصبح هذا المطرب خطرا على أم كلثوم فقررت أن أحاربه ، فكنت استأجر جميع مسارح القهرة وأغلقتها بالضبة والمفتاح فى الأيام التى تغنى فيها أم كلثوم وبهذه الطريقة قضيت على منافسة عبد الوهاب لها .. وان كان اسم عبد الوهاب قد ازداد بريقا
تزوجت 18 مرة !

وقد جمعت من تعهد الحفلات اكثر من مائة ألف جنيه أنفقتها عن آخرها فى اشباع رغبات الحياة ، فقد كانت فلسفتى أن أرباح الفن لا تدوم أو تستمر ن فقررت أن لا أحرم نفسى من متع الحياة ..

 

وكنت من أشد المعجبين بأفلام الممثلة الأمريكية “مارلين ديتريش” وكان قوامها الممشوق يعجبنى وتمنيت لو أصبحت لى زوجة فى مثل جمالها وقدها الرشيق وسيقانها الملفوفة ، ورحت أبحث عن زوجة مثل ” مارلين ديتريش ” وقد وجدت ضالتى المنشودة فى أحدى المثلات ولكن مشروع زواجنا فشل فى لحظته الأخيرة ولهذا مضيت ابحث عن زوجة اخرى ، وكانت ثروتى فى ذلك الوقت ترشحنى لأن أصاهر أكبر الأسر المعروفة ، ولكن بنات العائلات كن جميعا من”الوزن الثقيل ” الذى كان موضة العصر الماضى ، وكانت التقاليد فى ذلك الوقت لا تسمح للعريس أن يرى عروسه إلا ليلة الزفاف وقد اضطرتنى تقاليد العصر الماضى أن أتزوج 18 امرأة بحثا عن “مارلين ديتريش “دون جدوى !

زوجة مثالية

وأخيرا أرادت اى ألاقدار أن أتزوج من سيدة فاضلة من أسرة معروفة ، وكانت مثال الزوجة الوفية المخلصة وقد رزقنى الله منها بابنى محمد وابنتى سناء ، وكان الحظ بدأ يقلب لى ظهر المحن ، فبدأت الخسائر تتوالى علي من كل ناحية وأصبحت ذات يوم وقد فقدت كل ما جمعته من مال ، وشعرت زوجتى انها أصبحت عبئا ثقيلا علي فقالت لى بصراحة محمودة لم أعهدها فى امرأة أخرى :

 

“يجب أن ننفصل ، فقد تزوجتك باعتبارك رجلا غنيا ولكنى اكتشفت أنك فقير ولن نكون لبعضنا بعد اليوم ” فطلقتها وأنا أحمل لها أعظم التقدير والأحترام ويمضى المعلم صديق فى حديثة فيضرب كفأ بكف ويقارن بين زمان واليوم فيقول ((لقد أمتنعت عن العمل هذا الموسم أن أستبد الجشع ببعض الفنانين ودفعهم الطمع الى أن يغالوا فى أجورهم ويطلبوا أجورا خيالية ..لقد أمتنعت عن العمل هذا الموسم لان ضميرى لا يسمح لى بأن أعرض شركائى للخسارة المادية ، فقد خسرنا فى المواسم الماضية بسبب مغالاة هؤلاء الفنانين فى أجورهم ..

 

امتنعت عن العمل بعد أن تذكرت حكمة قالها لى أحد الشيوخ حين سالته أذا أشتركت فى تشييع جنازة فهل أسير أمامها أم خلف النعش ،فأ جاب :سر كيف شئت طالما أنت خارج النعش : تذكرت كل هذا وتذكرت ابنى محمد الذى هو أملى اليوم فى الحياة والذى أعيش له حتى يتم دراسته العالية.