أحمد فرحات يكتب :”الضبع”

 

 

 

تنبش الضباع القبور؛ وذلك من فرط طلبها للحوم الناس، إذا لم تجدها ظاهرة… وتعجب الضباع بالقتلى؛ لأنها تقضي وطرها من المقتول إذا قتل ثم تأكله. وإذا كانت السنة جدبة تأكل المال سمتها العرب الضبع. وتسمى الضباع العُرْج؛ لأنها عرجاء، وتسمى أيضا جَعار لكثرة جعرها. والضباع ترعى ولد الذئب وتهتم لأمره، تقول العرب: أحمق من جهيزة، وهي عِرْس الذئب؛ لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع. ويقولون: إن الضبع إذا صيد أو قتلت فإن الذئب يأتي أولادها باللحم.

 

هذه هي صورة الضبع عند العرب، وهي صورة مخزونة في مخيلة العربي القديم، وهي نفسها صورتها لدينا في الشعر العربي، فالضباع تقتات من جثث القتلى، والمصروعين في المعارك الحربية، ويستخدمها الشعراء لبيان كثرة المصروعين، وأشلاء القتلى.

والشعراء يستخدمونها بصورة عادلة بين الفريقين، ويساوون بين عدد القتلى من الفريقين، ويضيفون إليها صورة الغراب لتطبع في نفسية المتلقي صورة كئيبة للحرب وأثرها على المتحاربين، فيقول في ذلك المُفَضّل النُّكْرِيّ:

 

فأشبَعْنَا السِباعَ وأشبعُوهَا   فراحَتْ كلُّهَا تَئِقٌ يَفوقُ
تركْنَا العُرْحَ عَاكفَةً عليهِمْ   وللغربانِ مِنْ شبعٍ نَغِيقُ

 

كما تجيء صورة الضبع لنفي التنكيل بالجثث، وأن الشاعر في مجال مدح أعدائه ينفي عنهم صورة مخزية للضباع وهي تقضي وطرها من الجثث، لأنهم قوم تسربلوا الدروع الواقية، ولبسوا الحديد مضاعفا، وتدرعوا به فكانوا في مأمن من عبث الضباع ونزقها بالجثث، فهي عدالة من الشاعر، وحسن تصرف في أمور أعدائه. فقال في ذلك العباس بن مِرْدَاس:

 

وَلَو ماتَ مِنهُم مَن جَرَحنا لَأَصبَحَت   ضِباعٌ بِأَكنافِ الأَراكِ عَرائِسا
وَلَكِنَّهُم في الفارِسِيِّ فَلا يُرى   مِنَ القَومِ إِلّا في المُضاعَفِ لابِسا

 

ويبدو الحزن مسيطرا على نفسية الشاعر في الشطر الأول من البيت الأول، بناء على استخدامه حروف ذات نبرة حزينة، ويظهر ذلك من تكرار حرف الميم ثلاث مرات في ثلاث كلمات متتالية(مات –منهم-من) بالإضافة إلى تكرار حرف النون مرتين، وكذلك حرف اللام ، وذلك لإشاعة نبرة الحزن في شطر البيت، وعكس ذلك تماما في الشطر الثاني من البيت نفسه، فالشاعر أراد إظهار جو الضجيج والصخب الناتج من تكرار حروف معينة مثل حرف العين(مرتين) وحرف الضاد، والباء، والكاف، والراء، والسين، وهي حروف من شأنها إذا اجتمعت في مساحة زمنية قريبة أن تحدث ضجيجا وصخب، ولعل هذا المسلك اللغوي يتفق مع مدلول البيت.