“هانم المتولي الأعصر”.. نص شعري لـ فتحي البريشي

وزي الناس ما بتحاول تعيش يومها
بلدنا عايشة من يومها
تنام بالليل
و تصحى الصبح من نومها اللي هد الحيل
سكك مشدودة من تحت البيوت الني
مهرودة بخطاوي الخلق
رجالة عيال نسوان
بنات.. عواجيز
حمير بتشد عربيات
و لا أجدع مسابقة خيل
بلدنا مؤمنة جدًا
بإن الرزق عاشق خفة الرجلين
و صلى الفجر متولي و رجع ع الدار
صباح الخير يا فطومة
صباح النور يا متولي
صباح جاي لي بأحلى نهار
و إيدها سابقة بالقلة و صرة زاد
و إيده بتسلت المغزل من المسمار
و كان طول عمره متعلق
على نفس الجدار في الدار
فقال: يا رب يا ستار
دا عمر الخيط ما علق مني و تقطع
قالت له: خير
يا سيدي خاد له بلوة و غار
فتح باب الغنم خرجت ببطء شديد ..
و كان يفتح يوماتي الصبح تتنطط
و تجري بعيد ..
كأنه العيد ..
يا فطومة ..
نعم يا أبو سعد ..
ما علفتيش ..
و لا وردتيش على غنمك بكوز مية ..
يا راجل قل كلام غير دا ..
دا أنا بعد العشا بساعة …..
طب أمال الغنم مالها كسالى اليوم ؟!
وراهم إيه ؟!
ما هم عايشين في أكل و نوم ..
— على رأيك
و يضحك عم متولي ..
و تضحك خالتي فطومة ..
كانت هانم
تقوم الصبح من بدري ..
تبوس إيد أمها و إيده
بلدنا عمرها بتبوس
إيدين الأب و الوالدة
و إيد الجد و الجدة
و إيد الأخ لو أكبر سنة واحدة
لكن ليه النهاردة خصوصي
حسوا البنت موش جادة ؟!
فشدوا من شفايفها أياديهم
و ضحكوا لها
و أبوها يقول:
يا بكاشة .. جاتك هدة
فتضحك هانم المتولي ضحكاية
تنسيهم غنا العصافير
و أبوها يمشي إيده السمرة فوق رأسها
تحوش إيده
تقول له: با أغير
كبرت يا بت
تضرب وشها في الأرض
وسطك لف و احلويتي يا هانم
ما تكسفهاش يا متولي
أنا و عزة جلال الله
إذا كان لي شربة مية ع الدنيا
و لو وصلت لبيع الكبش أكبر كبش
ح أعمل لك فرح ما حصلش
بعيد الشر يا آبا عليك
ما فيش يا بت
واد سايب كدا و اللا كدا و اللا
و لو حتى أمه هي اللي
بتتولي
مصاريف أكله و هدومه
لفت نظرك ؟!
و لا واد طل في عنيك الجميلة دي
و لو طلة
دماغه لف و اتدلى على صدره
و موت نفسه على مهرك ؟!.
و رب الكون عيال عامية
يا راجل يوووه كسفت البت
بنهزر يا فطومة
لعلمك شوف عشان تعرف
ما فيش راجل و لا مراته
ما كلمونيش عليها لأحسن إولادهم
و أقول بدري
هي لسة البت راحت فين
و يفرح عم متولي
و يخرج بالغنم ع الغيط
جسور الترعة قدامه بساط أخضر ..
غنم تجري .. و .. غنم تاكل ..
و غيرها تمشي تتمختر
و يقعد هو يتقلب ..
في نور الشمس أو نارها
تمر عليه ساعات و ساعات
لحد ما يلتقى سكة
بتحضن ضل أشجارها
يطلع م البدن لاسمر
شوية حر و يمدد
و يتذكر
مطالع أغنيات للست
أو مواويل يصفرها
شفايفه لما يبرمها كأنها ناي
و يتغدى و يعمل شاي
و يستنى عريسها الجاي
و تقعد جنبه رافعة الراس
جميلة يا حسن منظرها ..
( كبرت يا بت يا هانم
و وسطك لف و احلويتي )
بس البنت مشغولة بحاجات تانية ..
ما يعرفوهاش
بتمشي الصبح من بدري
و طالبتهم متين مرة ما يسألوهاش ..
بتعمل إيه .. و بتروح فين ..
و بتغيب النهار كله ..
معاها بنات كتير جدا ..
ما يسألوهاش ..
لكن يا دوب
بقلب الأب كان بيحس
و من بعض الكلام بالهمس
و كان راجع من التراويح
سمع صوتها
بتحكي لأختها عن واد
ما فيش زيه ف بلدنا ولاد
إذا اتكلم بتسمع صوته في ودانها
و لا أحلى نغم عواد
دراعه جناح ملاك طاير
إذا فرده يهد بلاد و يحمي بلاد
بتسمع شهقته عن بعد لو عدى
من الشارع بدون مواعيد
و تفرح لو يبان صدره
ساعات في الغيط
فرح طفلة بلبس العيد
بتحكي عن ولد أسمر
ولاد .. صحونا نتسحر
و نام العم متولي
و برج ف مخه متحير
يجوز قلقان يجوز فرحان ..
و أول مرة كان يشعر
كأن ف راسه ميت رهوان ..
و داير لف دور و غيطان
يدور مين سيد العرسان ..
( بتعمل إيه .و بتروح فين ..
و بتغيب النهار كله )
يكونش يا واد يا متولي الولد لاسمر ..؟!..
دي لابسة عليه سواد الليل
كأنها من بقية أهله
سنة و أكتر ..
حزين يا قلبها الأخضر ..
و يا ليلها الطويل يا ليل ..
بتحجب من نهارها الشمس
.. بكاية قوي .. و كأن ..
خمسة يونيو كان بالأمس ..
( و إيه يعني ..
ما هي كل البلاد لابسة
على عيالها الهباب لاسمر .. )
على كل
سبب خلاه ينام و دماغه متعكر
و لا عاد همه تعمل إيه و لا تروح فين
و وياها بنات و ولاد
بييجوا من بلاد و بلاد
يعدوا الألف و الألفين ..
و تخرج هانم المتولي كالعادة
شفايفها كما الفنجان
و فيه بسمة رضا زيادة
بنات قالت :
لأول مرة يا خالة
بنسمع منها ضحكاية
كأنها صوت كمنجاية
ولاد الموت
بيطلع منهم الشيء اللي موش عادي
عشان نعمل عليه حكايات
حكاية تشد في حكاية
قالت لي مرة ياخالة
و هي بتحلف على رغيف عيش
بإنها عاشقة حد ما تعرفوش شكلا
و لا تعرف منين أصلا ..
ولد ميت على الجبهة
شهيد في الجيش
لكن صورته اللي شاداها وراه دايما
و واقفة قصادها ما بتمشيش
جابتها معانا في ( الموقع )
سامحني يا رب و حياة سعد يا خالة
عن ( الموقع ) ما تسألينيش ..
و كانت جنبي يا خالة ..
يا دوب بيننا .. ما فيش شبرين ..
و با أسألها :
سرحتي ف إيه يا هنومة ؟
عريس يا بت؟!
ضحكت ضحكة مكتومة
و قالت لي:
عريسي يا بت في الجنة و دفع مهرين
و كتب كتابنا و الحنة مع الزفة
هناك عند القناة أفراح على البرين
و في عيونها دموع الفرحة يا خالة
حمام طاير
و هي الكعبة و الحرمين
و بيقولوا القمر واخد ضياه م الشمس
كأن الشمس يا خالة في هذا اليوم
ما شافت وش بنوتة خلاف هانم
و لا صادفت قمر غيرها
في أي طريق
عشان تنشر عليها الضى
نطل ف وشها ع الريق
فيروينا عرقها ري
و كم مرة بتحكي لنا عن المحبوب
شهيدها الحي
و قايلة لنا و من كم يوم
( أنا رايحة له من بكرة
عشان موش جي
و راحت خالتي فطومة مع النسوان
تزف هدوم فرح هانم لحد القبر
بالزغاريط
و يرجع عم متولي
و ساب كل الغنم في الغيط
و تمشي بلدنا شايلة النعش و بنهتف
و لا عارفين ح ندفن مين
دي هانم و اللا بنوتة
بتحلم زيها بالنصر من بدواي
و كفر الباز و ديمشلت
و البرامون شها بدين
و يمكن حتى من شربين
تراب النيل في حال أصله
جتت شهدًا و صنايعية
و فلاحين
مشينا نسب للفانتوم و أمريكا
يا فانتوم يا ابن ستين كلب يا جلاد
لصالح مين
بتقتل هانم المتولي و تسيح
دما عيالنا ف مدارسهم
زهور بحر البقر أطفال
بنات و ولاد
و بتهد ف بلدنا بلاد ؟!
يا فانتوم يا ابن ستين كلب يا سياف
و لو حتى ح نقضي العمر
في استنزاف
ما فيش مصري و لا عربي
ح يعمل لك حساب و يخاف
يا فانتوم يا ابن ستين كلب
يا سياف