“محمد العجوز”.. مطرب الصعيد الشارد

 

كتب: السيد العديسي

في الأول من مايو سنة 2010 م كان أهل الصعيد على موعد مع الحزن حين وصلهم نبأ وفاة المطرب الشهير محمد العجوز في حادث مأساوي أودى بحياته وحياة إثنين من أفراد فرقته الغنائية.

تحديدا في المسافة بين قريته بني هلال ومدينة أسوان، وأثناء قيادته لسيارته، اصطدم المطرب المعروف بعمود كهرباء على جانب الطريق السريع، لتضع هذه الحادثة نهاية لمشوار العجوز الطويل في الغناء، وتصيب أهل تلك الأنحاء بالحزن الشديد على فقيدهم الغالي.

….

كمداح وعاشق لآل البيت اشتهر المنشد محمد العجوز، وساهم جمال صوته وقوته في وصوله لكل مناطق الصعيد، فبات المنشد المفضل لأغلبهم، خاصة وأن ظهوره اقترن من خلال المساجلات الغنائية بينه وبين المنشد العظيم “أحمد برين”، واصدرا معا ألبومات عديدة تحتوي علي هذا المعارك الغنائية، الأمر الذي ساهم في شهرته، ومنحه الكثير من الإحترام.. كما أن بعض هذه الألبومات ما زالت تتردد لدي بعض عشاقها، يسمعونها كل فترة ويتحسرون علي زمنها الجميل.

خلال مسيرة هذا الفنان حدثت الكثير من التحولات، فالمتابع لإنتاجه الغنائي سيلمس لا محالة تأرجحه بين الحالة الصوفية الإنشادية، وحالة الوعظ المجتمعي، وأخيرا حالة العشق.. لم يكن يستقر علي منهج بعينه، وهو ما يوضح الصراعات التي تشتعل بداخله إزاء الأمر.

فالعجوز مطرب صعيدي، لكنه يضع مطربي القاهرة نصب عينيه، مع إدراكه أن هناك اختلاف كبير ومسافات شاسعة بينه وبينهم، فهو ذلك المطرب الذي اتخذ من الجلباب والعمة علامة مميزة  وشكل يظهر به في حفلاته وعلي أغلفة الألبومات الغنائية، كما أن كلماته تنحو تجاه الجدية، وتناقش موضوعات كبيرة، أقلها ذات قيمة إجتماعية، إذا ما نحينا المديح جانبا.

بينما يظهر مطربو القاهرة بما يميزهم من ملابس وشكل يتناسب مع معيشتهم، ويلائم أكثر مشروعاتهم الغنائية، تلك المشاريع التي يعتبرها أهل الجنوب نوعا من الخلاعة والمياصة.

وهو ما جعله يعيش أزمة لا يشعر بها سوي المتتبعين لمساره الغنائي، لأنها تلقي بظلالها علي ما يغنيه.

كما قولنا فإن رحلة العجوز شهدت الكثير من التحولات ساهمت في تحوله لعلامة استفهام كبيرة عند المتابعين له، كما أبعدته من موقع الصدارة الشعبية التي ظل لفترة طويلة مسيطرا عليها.

مثله مثل من أراد بلح الشام وعنب اليمن فسعي للحصول علي الإثنين في نفس الوقت، فنتج عن ذلك خروجه خالي الوفاض، فلا استطاع أن يجني هذا أو حتي يأكل ذاك.

ربما توقف في فترة من الفترات أمام نفسه في المرآة وسأل: ماذا ينقصني لأكون مطربا مثل عمرو دياب أو حتي إيهاب توفيق؟.. ودعم هذا التساؤل فهمه الجيد للموسيقي وقوة الصوت لديه، لكنه تناسي اعتبارات أخري، وهي أنه قطع بالفعل طريقا اختاره من قبل، والسير في عكس الإتجاه قد يأتي بالندم، لأنه سيكون أشبه بالجنون، فكيف له أن يأتي بالشيء ثم يأتي بنقيضه؟.

ما نود قوله هو أن العجوز بعد أن قطع شوطا كبيرا في الغناء كمداح وقوال صعيدي، إذا به فجأة يقرر أن يغير جلده، ويسلك طريق الأغاني الشبابية التي كانت سائدة في أواخر القرن الماضي، ساعده علي ذلك اكتشافه لأغنية غناها شاب مغمور تمتلك مقومات النجاح، لكن الشاب غناها وسط مجتمع ضيق، وهي أغنية “أشكرك”، فالتقي بكاتبها وهو شاب اسمه خالد رضوان وحصل منه علي حقوق اصدارها، وأصدرها بالفعل في ألبوم يحمل اسمها، وغناها بالطريقة الشبابية المعروفة، بل وأدخل عليها أيضا مفردات أجنبية.. فبدا كما لو ارتد علي لونه الغنائي، وبدت الناس تنظر إليه علي أنه فقد وقاره، لكن هذا لا يمنع بالطبع من أنه حقق بعض الإنتشار.

ولتكتمل الصورة أشاع العجوز شائعة مفادها أن هناك قصة حب تربطه بالفنانة ليلي علوي، ولو حتي من طرفه هو فقط، بل وادعي البعض أنه تقدم له طالبا يدها للزواج لكنها رفضته، فما كان منه إلا أن غني هذه الأغنية لها.. وليتم إكمال الموضوع رتب لظهور ألبوم ثاني اسمه “أرفضك”، وخرجت الشائعات أيضا تقول أنه قرر علاج نفسه من عشق ليلي، والإقتصاص لكرامته بهذا الألبوم، ليكون بمثابة إعلان للثأر منها.

الغريب أن العجوز الذي غني في بدايته أغنية للشيخ ابراهيم الدسوقي ولي الله الصالح، كأحد المجاذيب، غني في آخر ايامه أغنية “اكتبلي تنازل عن قلبك واكتبلك شيك”، كما غني “زلمكة في البنزينة” وقيل أنها أغنية دعائية أصدرها ليروج بها لمشروع البنزينة التي أقامها في بلدته نجع هلال بإدفو علي طريق مصر أسوان، ولكن للقدر تصاريفه، حيث أن وفاته كانت في حادث طريق أودي بحياته حين كان يستقل سيارته “الزلمكة” في طريقة لإحياء إحدي الأفراح.