السيد العديسي يكتب:”عمة وعباية.. وكلسون”
سأله: الوالد رجع من السعودية؟
– رجع الحمد لله
: وقف علي عرفات؟
– وطاف الكعبة كمان
: اشتري كلسون وعباية جوخ؟
– لا والله.. زي ما تقول الفلوس قصرت
: يبقي ولا كأنه راح الحج!!.
…
“حدانا في النجع، وما ادراك ما النجع.. العيشة كلها يا إما أبيض شاش يا إما أسود ليل.. النص نص دا ميلدش علينا، وميمشيش معانا.. يا تكون صاحبنا وبتاعنا، فبتاعنا يصبح بتاعك، يا تكون عدونا ويحرم علينا اتباعك”.
“يا قيالة وفطفيطة وحر جهنم، يا برد ورصرصة وسقعة طوبة.. الدفا لا يعرف قواميسنا”.. وفيما يخص الحر، الأمر مفهوم، فقد تصل الحرارة أوقاتا إلي حد أن النساء لا يبحثن عن النار لأن حرارة الشمس وحدها قادرة علي إنضاج العيش.. ربما لهذا السبب أطلق عليه “عيش شمسي”.
في الصيف لا يستطيع الناس السير في الشوارع، وإذا سار أحدهم فإنه يظل أثناء سيرة مهموما بالبحث عن أي ضل شارد للإختباء فيه للحظات.. فيقطع المسافة الساخنة جريا من أجل الوصول لأقرب ضل، حتي ولو ضل شجرة صغيرة أو نخلة وحيدة علي الطريق، فهي بمثابة الجنة لمن يسير، أسفلها يستطيع الرجل إلتقاط أنفاسه، واستجماع قوته، ثم العودة للطريق، وقبل أن يخطو فإنه يبحث عن الظل القادم، ويحسب المسافة إليه، ومن ثم العدو والجري ناحيته، حتي الوصول إليه ومن ثم أخذه بالأحضان.
من أجل ذلك فإن الحكومة تجد صعوبة في إنشاء الطرق ورصفها، فالحرارة كفيلة بتحويل هذا الإسفلت إلي سائل لزج من فرط السخونة، وبالتالي تظهر المطبات، والحفر اللامتناهية، وفي العادة فإن أي طريق اسفلتي ستجده مغطي بالتراب ما يعتبر حماية لها من حرارة الشمس فيظل علي شاكلته دون تغيير.
لهذا فإن أي مواطن صعيدي يعتبر فترة الظهر أو القيالة هي فترة للنوم، لا تختلف عن الليل في شيء بل هي أهم، لأنه بالنوم يستطيع الهروب من الحرارة والإختباء تحت أي ظل.
…
أما فيما يخص الشتاء فالأمر يحتاج إلي وقفة.. فالشتاء يا سادة له طقوسه الخاصة، البعض ينظر لها بقدسية ويضعها موضع التحريم، حتي أن كسر هذه الطقوس يعد جريمة، ومن ثم خروج علي العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع.
فالشتاء يعني رحلة البحث عن الدفء، ومن ثم تجهيز الحطب والكانون، وفي بلادنا يتم تصنيع الكانون من طمي الترع، وذلك بعد خلطه بالتبن والماء ليجعله متماسكا، ثم يترك ليختمر لمدة أسبوع في الأرض، وحين يتعفن يصبح جاهزا للتشكيل، فيتم عمل المناقد والكوانين، وحتي أفران الخبيز منه.
الشتاء يعني حقول القصب، والقيام بالأعمال القائمة عليها، كسر، وتنظيف، وحرق، إلي جانب بالطبع الفائدة العظمي له، والخاصة بمصه ليلا، فيمنح الدفء غير أن له أضرار خاصة بالتبول، حيث أن من يتناوله بكثر يكون مطالب بالتردد علي الخلاء لعدة مرات في الليلة الواحدة، كما يتم التنبيه علي الأطفال بضرورة التخلص من المياه الزائدة في أجسادهم قبل الخلود للنوم.
في الشتاء.. الصعيدي يستغني عن أية قطعة ملابس في دولاب ملابسه، _هذا إذا كان هناك دولابا من الأصل_ أو علي “الشعليقة”.. وهي حبل ليف يتم شده في إحدي زوايا أوضة النوم لوضع الملابس فوقها، عدا الكلسون والعمة والصديري، وهم الأساس في ملبس الرجال، إلي جانب طبعا السروال “أبو دكة”، وفيما عدا ذلك لا يهتم بشيء.
فالكلسون هو الذي يستطيع توفير الحماية اللازمة للبدن، ويرتديه المواطن الصعيدي أيا كان سنة أو عمله أو حتي وجوده، سواء في البيت أو الحقل أو في إحدي التراحيل الخاصة بالعمل.. ومن عشق الصعيدي للكلسون فإنه عادة ما يرتديه شتاءا وصيفا، غير مبال بالحر.
…
أما العمة فهي عنوان الرجولة هناك، فطالما دخل الصبي مرحلة الرجولة أصبح لزاما عليه إرتداء العمة، لدرجة أنه من خلالها يتم التفريق بين الرجال والأطفال، والمعروف في الصعيد أن البعض يزوج ابنه بمجرد بلوغه الرشد، في سن السادسة عشر أو أقل أحيانا، وهنا يستوجب علي هذا الطفل التحول إلي رجل، عن طريق ارتداء العمة علي الأقل.
نفس الأمر بالنسبة للصديري، غير أن مهمته الأولي تكون في كونه الخزنة التي يسير بها الرجل، فالصديري يتميز بتعدد جيوبه، منها الكبير الذي يناسب حجم المحفظة الكبيرة، وعلبة الدخان، وكيس المدغة، ومنها الصغير الذي يتناسب مع حجم الساعة “أم كاتينة”، والختم الخاص بختم الحجج، والأوراق الرسمية.
أما بالنسبة للعباية الجوخ والشال الكشمير فهما اللذان يتم تصنيف الناس بناءا عليهما، بمعني أن من يمتلكهما هو من أعيان النجع، وغير ذلك مثله مثل باقي المواطنين الذين لا يتم تقديهم في صدارة الجلسات، ودائما يتوارون في الخلف، خاصة في جلسات الصلح والمناسبات الهامة مثل الزواج والعزاء وغيرها.