إذا سلمنا ان العتبات النصية هي بوابة الدخول إلي المنجز السردي وإذا سلمنا بأنه كلما امتازت هذه البوابة بالإشراق والجذب كلما كانت دافعاَ رئيسيا لاقتحام النص.
ولا شك ان هذه العتبات النصية بالنسبة للمتلقي تخلق عالما موازيًا للعالم الأصلي, وهي للمتلقي كالقارب الذي يبحر به في عالم السرد، وأن تلك العتبات تبين لنا شخصية السارد والي ماذا يرنو بهذة العتبات التي توحي للمتلقي بدلالات لايمكن ان يقولها السارد إلا من خلال هذه النصوص المكثفة.
- الغلاف: هو العتبة النصية الأولي التي تطالعنا كمتلقي والتي من خلالها نتفاعل مع النص وتتشكل بذور العلاقة بيننا .
فإذا حاولنا ان نفسر صورة الغلاف في ( وجوه خارج الكادر ) لفك شفرات النص نجد أن:
- تطالعنا صورة تجريدية لوجهين غير مكتملي المعالم ملامحها مريحة وغير مشوهة قريبة للنفس في دلالة علي وجودهم خارج الكادر .
- واللون البرتقالي يشع طاقة ودفئ وحرارة ويمثل أشعة الشمس ودليل علي التعاطف مع تلك الوجوه وتجاوز خيبات الأمل والثقة بالنفس واللون الازرق يشير الي الحرية والعمق والولاء والإخلاص بما يتفق مع معظم شخصيات (شخوص) النص .
- العنوان : – وهو بناء يتمركز في واجهة النص له دلالته السطحية والعميقة يحمل ملامح نص موازي .
والعلاقة بين العنوان والمتن يمكن ان تكون تقابلية أو انزياحية..الخ
والعنوان هنا (وجوه خارج الكادر ) لافتة مفعمة بالطاقة ومدخل اولي نجح في تحفيز افق التوقعات . جاء مكثفا مشعاً غير مباشر ذو صلاحية كبيرة في التأويل .
فوجوه من؟ ولماذا هي خارج الكادر؟
اسئلة جعلتنا نسرع لتلقي المنجز السردي.
اما عن العتبات النصية الداخلية فجاءت معظمها كلمة واحدة نكرة مثل ( براءة – ارتقاء – سحر – وجود ……. الخ) في مجملها معبرة وجاذبة
- الاهداء :- وإذا كان الاهداء هو العطاء عن حب وكرم فقد اهدي صلاح هلال عمله الي من يملك روح القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والي مسابقة صلاح هلال في القصة القصيرة في دلالة علي تفاني الكاتب وولعه في خدمة القصه القصيرة.
- النبذة الاخيرة: اما عن النبذة الاخيرة فتعتبر هي بحق ايقونة المنجزالسردي حيث تحمل أجل الرؤى وأفضلها وهي ( يري اشباحا)
عن المستعمر وكيف شق رؤسهم بفأسه وتوحد الاجيال حيث تنشق الارض عن وجه حده ويتخرط الوجهان كوجه واحد يزين فضاءات الحدود وان كانا خارج الكادر .
- النص: اما عن النص فنحن اليوم امام كاتب جدير بالتوفيق والتأمل في عالمه القصصي . هذا العالم الغامض الذي يفصل الترميز في النص والسرد بإسلوب فلسفي شيق , تلك الكتابة الشاعرية التي تتركنا في حيرة عن ماهية النص أهو قصة أم اقصوصة أم نص سحري.
- فإذا بحثنا عن عناصر القصة فنجد السارد لا يفصح عن مكنون الزمن وانه عمم الزمن ولم يحدده مثل قصة (وجه جدي الامر) ص5, (كهف القيعان السبع ) ص 56
- اما عن المكان فجاء متعمقا كما في قصة (كهف القيعان السبع) وحطين – تل المقدام – البحر – بابل.
- والقصص في مجملها لا تعتمد علي المباشرة, حبلي بالإيحاء والإيماء , حمالة أوجه , غامضة , ملغزه , لابد للمتلقي ان يعمل عقله وقريحته لتفسيرها.
- انا عن ايقونتي المنجز ففي معتقدي انهما قصه ص5 (وجه جدي الاخر) وقصة (كهف القيعان السبع) ص 56 حيث القضية قضية الهم العربي والحفاظ علي الوطن حيث يستحضر الكاتب في صورة سردية تمثل قمة الفانتازيا في انشقاق الارض عن وجه الجد واختلاطه بوجه الحفيد لرسم الحدود والدفاع عنها . وكذلك يستدعي السارد امجاد صلاح الدين و موقعة حطين وبابل في تل المقدام في محاولة لاستدعاء الماضي المجيد وانتصاراته لمؤازرة الحاضر والدفاع عن الوطن.
- اما عن الدموع في قصص (صلاح هلال) فلم تكن خارج الكادر مطلقا فقد شكلت وملأت الكادر الا قليلا
ولقد منحت دلالات عدة وطرحت اسئلة , فهل كانت الدموع سرا من اسرار عالم (صلاح هلال) وهل عبرت عن تجربة امتزجت فيها مشاعره المختلفة وانفعالاته المضطربة وأحزانه المرتجفة ؟
اكاد أشعر ان دموع (صلاح هلال) التي تملا الكادر هنا تعبر عن القهر والظلم واليأس بين البشر .
وهل يحاول صلاح هلال بالدموع ايقاظ البشر من غفوتهم ليطهرهم مثل قصة (دموع حائرة ) بعناوينها الجانبية طفله , النورس , ضياع والتي تفصح عن معاناة المخلوقات بصورها العديدة ص 40
فهل يريد الكاتب صلاح هلال ان يبرهن لنا عن قول الاديب الفرنسي فيكتور هيجو .
(ان الدموع هي الدلالة الوحيدة أن الانسان مازالت تسكنه المشاعر الرقيقة وعالم البراعة )
والدموع هنا دموع ثورة ورفض للذل والسقوط والضياع ودعوة الي إعمال الفكر والبحث عن الحرية .
ولم يقتصرعالم (صلاح هلال) السردي علي قضية الوطن بل تعددت القضايا والرؤى فنجده يتناول قضايا التميز ضد المرأة في قصة (حنين) ص 52 حيث تنتحر الزوجة من ظلم زوجها وجيرانها للخلاص بالجنين من ظلم البشر وعالج قضية التقدم في العمر في قصة (خريف) ص 53 وتعانق وعكاز
وقضية الخرافات في قصة ( لحظة وداع ص 35)
وقضية العقوق وتضحية الام في قضية (امي) ص 60
وقضية سد النهضة في قصه (سأعيش) ص67
وقضية الحدود في قصة (البكر) ص 43
وقضية انتشار المخدرات في قضية (المولد) ص 50
وقضايا الحداثة وعلاقتها بالبطالة وقلة فرص العمل في قصة (الهاتف النقال) ص 78
اما صورة الام فقد تجلت في العديد من القصص مثل قصة ( امي ) ص 60 وكانت حاضرة بقوة في العديد من القصص.
- اما الاسلوب فجاء بليغا , فصيحا , شاعري اللغة , يتجلى فيه التكثيف والاختزال , حالما , جاذبا , ثريا .
- وجاءت النهايات في معظمها بالمفارقة مثل قصة ( حنين وانين ) ص 33 حيث البيت المسكون
وقصة (لحظة ندم ) ص 51
وجاءت النهايات احيانا مبهمة مثل قصة ( خريف ) ص 53
هذا و (وجوه خارج الكادر ) لصلاح هلال تحتمل العديد والمزيد من الرؤى والتأويل ومحاولة الغوص والبحث والتفسير
فهنيئا لنا بالغوص في بحر صلاح هلال السردي الجاذب ووجوهه العديدة خارج الكادر.
دراسة نقدية بقلم الكاتبة سمية عودة، أمين عام النقابة الفرعية لاتحاد كتاب محافظتي الدقهلية ودمياط.