د. راشد نجم: المسارح الأهلية وقطاع الفنون في البحرين شعلة نشاط مستمرة (حوار)
الشعر هو الشعر ، مهما اختلف شكل القصيدة ، والعقل الجمعي للأمة من خليجها الى محيطها هو ذلك اللغط الكبير حول ازمته وضلالاته وصولاته وجولاته، الشعر هو الشعر أيا كان القالب الذي يعيش فيه، وأيًا كانت المسميات والخلافات حول ما يثار وما يقال عن حالة المثقف العربي، عن حلته القشيبة او عن محتواه الفريد، عن نحاته المحترف ، او جداريته الملقاة علي جانبي الطريق.
بهذه الكلمات او بتلك المعاني بدأ رئيس أسرة الأدباء والكتاب في مملكة البحرين الأديب الكبير دكتور راشد نجم حواره الشامل مع ” مباشر ٢٤ “، والى نص الحوار :
هل يمكن إعطاؤنا فكرة عن تقديراتك بشأن الوضع الثقافي والإبداعي في البحرين ودور أسرة الأدباء والكتاب؟
يشهد الوضع الثقافي والأدبي في مملكة البحرين حالياً حراكاً ايجابياً مستمراً يتضح من خلال العدد الكبير من الإصدارات الأدبية المتنوعة في مجال الشعر والسرد والدراسات النقدية، وتنامي عدد الفعاليات التي تنظمها بعض المؤسسات الأدبية والثقافية النشطة مثل أسرة الأدباء والكتاب ومركز عبدالرحمن كانو الثقافي ومركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث كمؤسسات وجمعيات أهلية، وهيئة البحرين للثقافة والآثار كمؤسسة رسمية في مواسم متواصلة طوال العام، وكذلك المسارح الأهلية وجمعيات الفنون التشكيلية التي تقيم العديد من المعارض.
بالإضافة الى وجود المجالس الخاصة للوجهاء وبعض الشخصيات المعروفة في مختلف مدن وقرى البحرين والتي بدأت تنشط في تنظيم ندوات وأمسيات شعرية ولا تقتصر على اللقاءات الأسبوعية المعتادة لمرتاديها، وبذلك أصبحت هذه المجالس رافداً من روافد التنمية الثقافية. كل هذه القراءات للمشهد الثقافي العام تعكس في مجملها الشغف الكبير لدى البحرينيين بالثقافة والأدب ومتابعاتهم لكل هذه الفعاليات الأسبوعية حيث تكون قاعات هذه الفعاليات زاخرة دائماً بالرموز الثقافية والفنية والمهتمين بالأدب والثقافة.
من هذه القراءة المكثفة للمشهد الثقافي، بدأت أسرة الأدباء والكتاب التي تأسست عام 1969، أي مضى على تأسيسها أكثر من نصف قرن، وتعتبر من أقدم المؤسسات الأدبية في البحرين والخليج العربي وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب منذ بداية السبعينيات، وفي ظل توجه مجلس الإدارة الجديد والذي أتشرف برئاسته بدأنا بالتركيز على استقطاب العناصر الشابة من المبدعين في مختلف المجالات الأدبية لاستمرار وهج الابداع الذي بدأه الرواد. ومن الخطوات الأولى لهذا التوجه الشبابي وجود ستة من أعضاء مجلس الإدارة المكوَن من تسعة أعضاء من العناصر الشبابية بما يمثل ثلثي أعضاء المجلس، ونصفهم من العنصر النسائي، لخلق حالة من الحيوية والنشاط والمبادرات المتطورة بالإضافة الى الوجوه المعروفة ذات الخبرة.
هذا النسيج الجميل أوجد فريق عمل متناغم يتولى كل عضو فيه رئاسة لجنة محددة تم الاتفاق على أهدافها وبرنامج عملها للسنتين القادمتين، وهو ما خلق حراكاً متميزاً ساهم في تنامي عدد الحضور والمشاركين والأعضاء الجدد من الشباب من الجنسين.
في ظل هذا التوجه اهتمت أسرة الأدباء بإطلاق مسابقة للقصة القصيرة بين الشباب، والاهتمام بأدب الطفل ومساعدة المبدعين في طباعة ونشر اصدارهم الأول. كما تم تكوين لجنة للشباب، لجنة للشعر، لجنة للسرد، ولجنة لأدب الطفل وكلها مهتمة بالشباب، الى جانب الاحتفاء بالرموز الأدبية المعروفة. كما تم مؤخراً توقيع اتفاقية مع صحيفة البلاد وهي من الصحف البحرينية اليومية النشطة التي تتكئ على استخدام التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية لتكون الراعي الرسمي الإعلامي لنشاطات الاسرة وبرامجها، مما سيسهم في انتشار الأدب البحريني على مساحة عربية أكبر.
يُقال أن المثقف العربي في أزمة بل أن العقل العربي في أزمة،. ما هي رؤيتكم حول كل ما يُقال وكل ما يُثار حول هذه الأزمة؟
إن التحولات الكبيرة التي يمر بها الوطن العربي والاحباطات والانتكاسات والأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكثيرة التي أثقلت كاهل المثقف العربي، حيث أن هذا المثقف هو نتاجاً لهذا المجتمع الذي يعيش أزماته ويشعر بعجزه عن لعب الدور الطليعي الذي يتطلّع اليه. إن أزمة المثقف العربي اليوم تتجلى في حالة انكماش قيم العصر الثقافية التي يؤمن بها ويدافع عنها كالديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، ووجود التناقضات التي خلقت أزمة في عقل المثقف العربي بين النظرية والتطبيق.
إن على المثقف العربي أن يعي جيداً مجمل التغيرات التي حصلت في الواقع الثقافي خصوصاً بعد مرحلة ما يسمى بالربيع العربي، ويعيد الاضطلاع بمسئولياته في بعدها القومي العربي والنهضوي والتنويري، وتنمية المجتمع العربي للتصدي لمواجهة مختلف أنواع الغزو الثقافي، والسعي الى صون الهوية والقيم العربية التي تتم محاولات تفتيتها.
المبدع في البحرين وهل يتلقى من الرعاية والعناية ما تجعله بمنأى عن الحاجات المتعاظمة التي تتطلبها صناعة النشر من ناحية والأوضاع المعيشية للمبدع من ناحية أخرى؟ وما هي حقوق المبدع في الحياة البحرينية؟
ج 3: المبدع في نهاية المطاف هو فرد من أفراد المجتمع يؤثر ويتأثر بكل التغيرات الاجتماعية والمعيشية، وليس بمنأى عنها. ومن أجل أن يستمر ابداعه لابد أن يحظى بشي من الرعاية التي تحفّزه على الابداع سواء في مجال النشر أو في بعض التسهيلات في مجال العمل والتفرغ لمشاريعه الأدبية إذا ما دعت الحاجة الى ذلك عبر الأنظمة والقوانين المنظمة لذلك.
الدكتور راشد نجم الأديب والشاعر والمفكر البحريني هل تحدثنا عن إصداراتك وأهم العناوين التي حظيت بالانتشار والتألق؟
الإصدارات كثيرة في المجال البحثي عبر نشر العديد من البحوث والدراسات الأدبية في الدوريات والمجلات، والمشاركة في الفعاليات والمؤتمرات داخل البحرين وخارجها. أما على صعيد النتاج الفكري المطبوع فهي:
- همس المشاعر “أشعار باللهجة العامية”، إصدار وزارة شئون الاعلام، 2020.
- بوح الدفاتر “نصوص غنائية “، إصدار وزارة شئون الاعلام، 2020.
- علي الشرقاوي: دراسات في التجربة والحياة، تأليف مشترك مع الدكتور عبدالقادر فيدوح والدكتور عبدالقادر المرزوقي، إصدار أسرة الأدباء والكتاب، 2017.
- الأوتار سلّم المايسترو: قراءة في السيرة الفنية للفنان مبارك نجم، إصدار وزارة الثقافة والاعلام، 2008.
- تعزيز السياحة الثقافية في مملكة البحرين: دراسة في الإدارة الاستراتيجية “دراسة علمية باللغة الانكليزية”، 2007.
- واقع السياحة العلاجية في مملكة البحرين “دراسة علمية” إصدار مركز البحرين للدراسات والبحوث، مارس 2006، وقد أختير هذا الكتاب من قبل إدارة المكتبات العامة التابعة لوزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين كأفضل كتاب في البحرين بمناسبة اليوم العالمي للكتاب بتاريخ 23/4/2010.
- إضاءة لذاكرة العمر.. ما يشبه السيرة (في مرحلة الكتابة)
- “شغف الدروب المضيئة” (تحت الطبع)
الحالة الشعرية والروائية، وكل ما يُقال عن المنافسة بين القصيدة والرواية وانتصار الرواية في الآونة الأخيرة.. ما رأيك؟
هذه منافسة طبيعية بين الفنون الإبداعية ولا يوجد بينها منتصر وخاسر، فلا الشعر سوف ينتصر على الرواية ولا الرواية ستنتصر على الشعر، سيظل الشعر له مكانته التي يتربع عليها سنين طويلة، والرواية لها عشاقها الذين يقبلون عليها. كل ما في الأمر أن عدد الإصدارات في مجال الرواية في الآونة الأخيرة بدأ يتنامى بفعل كثرة الإصدارات وبروز العديد من الأسماء الشابة التي وجدت في الرواية متنفساً أكثر اتساعاً وفضاءاً للتعبير، وحظيت الرواية بإقبال مشجع من القراء مما دفع بدور النشر الى الاهتمام بهذا النوع من الأدب لكونه مضمون الربح من الناحية المادية وواسع الانتشار من جانب التوزيع، وتوجه منتجو الاعمال الدرامية التلفزيونية الى اختيار بعض من هذه الروايات لتحويلها الى مسلسلات تلفزيونية.
ولكن للأسف الشديد هذه الكثرة من الروايات المنشورة جاءت على حساب جودة الأعمال السردية، حيث استسهل عدد كبير من الشباب والشابات هذا النوع من الأدب بأعمال روائية لا تغري سوى عناوينها، أما المحتوى فلا يرقى أن يكون رواية.
إن صعوبة الشعر في ضرورة وجود الموهبة الحقيقية، وسهولة الرواية في احتياجها الى المقدرة على الصياغات اللغوية.
قصيدة النثر التي تواجه هجومًا شرسًا في الأوساط الأدبية والشعبية العربية.. هل أنت معها؟ وهل ستقضي على قصيدة التفعيلة،. خاصة بعد انصراف العديد من شعراء التفعيلة إلى قصيدة النثر أمثال جمال القصاص وعلوي الهاشمي وأمجد ريان والعديد من شعراء الشام المعروفين مثل دارين زكريا وغيرها؟
جالشعر هو الشعر مهما اختلف شكل القصيدة فيه، وتكمن مقدرة الشاعر في أن يشعرك بأن ما يقوله هو شعراً وليس نثراً يحاول تجميل صورته ليصبح شعراً. وسوف يحتدم الصراع طويلاً بين المدارس الشعرية.. بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، والوقت كفيل بأن يجعل الذائقة الجمعية ترسو عند أي مرفأ منها. إن الشاعر الذي يمتلك موهبة شعرية حقيقية تمكّنه من كتابة قصيدة عمودية سليمة الوزن والقافية، يسهل عليه كتابة قصيدة التفعيلة.. أما قصيدة النثر فهي أقرب ما تكون الى الخواطر المموسقة التي تحاول مجاراة الشعر.