حمدى البطران يقدم قراءة في رواية ” لوليتا”
رواية لوليتا.. أتذكر وأنا في المرحلة الثانوية في نهاية الستينات، أن دخلت المكتبة، سألني أمين المكتبة عن الكتاب الذي أريده، فطلبت رواية “لا تطفئ الشمس” لإحسان عبد القدوس، نظر أمين المكتبة لي بغضب، وكأنني ارتكبت جريمة، وقال إنها غير موجودة، مع أنني متأكد انها موجودة، قابلني بعدها وأخبرني أنه لا يريدني أتعلق بتلك الروايات التي تحض على الفساد.
ولسبب غامض بعد تلك الواقعة بدأت أبحث عن تلك الروايات التي تحض على الفساد، وعرفنا أن رواية لوليتا لمؤلفها فلاديمير نابوكوف رواية إباحية فاسقة لا تهمل وصفا يستثير الغرائز إلا وجاءت به، إلى درجة حذر كثير من النقاد من الاطلاع عليها. ولكن مترجمنا المعروف في ذلك الوقت، حنا خليل تادرس، اراح كل الشباب الباحثين عن الفساد.
وقام بترجمتها إلى اللغة العربية باللهجة العامية، كي يسهل الأمر على المراهقين من طلاب المرحلة الإعدادية، ونشرت دار نشر، نسيت اسمها تلك الترجمة في طبعات رخيصة، لم تكن وقتها تزيد عن القرشين، وبعدها عرفت أن تلك الرواية صدرت لها ترجمات في بعض الدول العربية.
فقد ترجمها خالد الجبيلي، ونشرها من منشورات الجمل ببيروت وبغداد، كما توجد ترجمة أخرى لمترجم غير معروف، نشرتها مكتبة دار أسامة في دمشق، وللترغيب كتب الناشر تحت العنوان” قصة حب شاذ بين شيخ في الخمسين وفتاه في الثانية والعشرين.
المؤلف هو فلاديمير نابوكوف، كاتب امريكي من أصل سوفيتي. فهو ولد في موسكو عام 1899 من عائلة أرستقراطية، في مدينة سان بطرسبورغ. ولدى نشوب الثورة البلشفية كان عليه أن يغادر البلاد إلى القرم، ومن ثم إلى برلين، ومنها إلى لندن، حيث تابع دراساته الأكاديمية، وتخرج في جامعاتها عالماً في الحشرات.
ولئن أفاده اختصاصه العلمي أنه كان مصدر رزقه لدى رحيله إلى الولايات المتحدة عند اقتحام النازية البلدان الأوروبية، فإن مساره الأدبي، الذي استهله شعراً، بكتاب “ماشينكا” (1926)، و”الدفاع لوجين” (1930)، وغيرهما، تبلور بالكتابة الروائية، في الحقبة الباريسية واللندنية، والتي توجت بروايات: “الغرفة المظلمة” (1932)، و”الخطأ” (1934)، و”الدون” (1937).
أيقظت الرواية حساسية جديدة في الكتابة الروائية، أساسها الاقتراب من المحظور ولمسه، والكلام على الجنس والعنف المتلازم مع الميول المحرمة.
بطل الرواية همبرت الخمسيني يغرم بفتاة ذات اثني عشر عاماً، يخطفها معه في ولايات أميركا الشمالية، معرضاً إياها لشتى أنواع الابتزاز، لتظل معه، حتى يقتل صديقها، ويلقى القبض عليه، أخيراً، وتموت الفتاة وهي في السابعة عشرة خلال إجهاضها من علاقة عابرة.
وأطلقت هذه الرواية شهرته الواسعة مع رخاء مادي، أتاح له الانصراف كلياً إلى الكتابة، فأصدر على التوالي: “الذاكرة تتكلم” (1966)، و”أوجين أونيغين” (أربعة أجزاء)، و”نار باهتة” (1962)، و”انظر إلى المهرجين” (1974)، وغيرها، شعراً ومسرحاً وقصصاً ونقداً.
الرواية تحكي عن مواقف ومشاعر سيظلّ الغموض يكتنفها على نحو يثير السخط لدى القارئ، لأنها تنطوي على تعابير بهتت وفقدت بريقها بسبب المراوغات التافهة والمبتذلة. وبالرغم من عدم وجود عبارة نابية واحدة في الرواية كلها، فإن القارئ غير المثقف الذي تتنازعه التقاليد المعاصرة الحديثة في تقبل طائفة كبيرة من الكلمات البذيئة في رواية مبتذلة، سيصدم تماماً لعدم ورود مثل هذه الكلمات هنا.
يقول الناقد عبد الله إبراهيم في كتابه ” أعراف الكتابة السردية ” أنه لم يكن غرض نابكوف كتابة حكاية جنسية صادمة. بل تحدى أكثر التابوهات عصيانا على التناول، لا لمض ما يوفره هذا العمل من إحساس بالمروق نحو عوالم غير مطروقة، بل للسعي وراء الحقيقة أينما كانت، طالما كان هذا السعي خليقا بضخ الحيوية والتوهج في اللغة والفن.
الرواية مكتوبة بأسلوب عبقري لا يخلو من سخرية لاذعة، ويحملك نابوكوف على قراءة لوليتا المثيرة للجدل بدلا من التخلي عنها باعتبار أنها تعكس صورة عالم منحرف لا يفضل الكثيرون التوغل فيه ومتابعة تفاصيله.
ففي عمر الثانية عشرة أحب هامبرت صديقته الجميلة أنابيل، لكنها رحلت باكرًا، فبقي متعلقا بسحر الفتيات الصغيرات اللواتي أطلق عليهن اسم الحوريات، وبعد خمسة وعشرين عاما خاض خلالها رحلة طويلة مع العلاج النفسي ومع محاولاته البائسة من اجل النجاح الأكاديمي والزواج من سيدة فرنسية خانته.
فحملته الحاجة المالية الى منطقة نائية في الولايات المتحدة الأمريكية وهناك استأجر غرفة متواضعة في منزل الأرملة شارلوت ليجد نفسه مهووسا بحب ابنتها الفتاه الجامحة سيئة الطباع لا تتعدى الثانية عشرة من عمرها، وقرر أن يتزوج الأم ليبقىقريبا من بنتها فتاه أحلامه.
يقول ناباكون عن بطله انه مخلوق رهيب ومخيف، جهنمي لا أخلاقي، رمز للانحطاط النفسي، مزيج من الضراوة والخسة، يكشف عن شقاء نفسي، لا يثير العطف ولا الإعجاب.
فضحت الرواية هوس بعض كبار السن بالفتيات الصغيرات واليافعات, وهو نوع من الهوس يختلق الكاتب أسبابه , ويكون حججه بمهاره فائقة , ثم يستقيم أمره ملاذا ممتعا لرجال غمرهم الياس لتقدمهم في السن، وصارت الأجساد الأنثوية اليافعة مثار اغواء لإشباع الظمأ والجوع الذي لا يشبع، ووضعها المؤلف في قالب جذاب وحبكة شيقة , ووظف السرد فيها الى غاية أخلاقية.
ويمكن اعتبارها دراسة حالة تفضح النزعات الخطيرة والشرور الكامنة في النفس الإنسانية ويعترف البطل بان إرضاء شهوته قد حطمه أكثر مما أنعشه، وهيمن عليه إحساس خطير بالدنس رافقه أينما حل وارتحل، وقطع مع لوليتا آلاف الأميال واعترف بأنه دنس كل أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه كان يوهمها بانه يحبها، بينما كان غرضه الاستمتاع بها.
ترددت فكرة الإحساس العظيم بالذنب في خواطر همبرت بطل الرواية، ويظل هذا الإحساس يتعاظم بمرور الوقت مع الهوس الذي رافقه وقاده الى نهاية مشينة واقتاده الى المحكمة ليحاكم.
ومن المؤكد ان البطل عبر عن رغباته الجنسية واشباعها لإغواء فتاه دون الثانية عشرة من عمرها، وفي استرجاعه لتلك التجربة هيمن عليه شعور بالندم والخطأ، لم شرط التكافؤ الجنسي بين الطرفين موجود فهي طفلة وهو شيخ.
الرواية تفضح حالات عدم التوافق بين رغبتين، كما ان هناك نوع من الخبث الطفولي، حيث تلاعبت الطفلة بمشاعر شيخ، وهي مثال على عدم حقيقة قاعدة الامتلاك الجسدي وهيمنة الذكورة، وافاضت في وصف شهوة رجل مسن ورغبته في جسد صبية، والانغماس في خيال جنسي يجذبه كلما امتنعت عنه.