حسام بدر يكتب: محنة راهبة

يعلم ما يلج في جوفي وتنهيدات شوقي، وما ينزل إليّ من عشق السماء ،ـ وما يتصعد إليها من بخار أنفاس نفسي الحائرة ــ هكذا حاورت الراهبة نفسها، بدت دماء قلبها تهجع وتفزع وكأنها تريد أن تطوف حول من لا يهجع ولا يفزع.
كانت بين النوم واليقظة ، تائهة في مكانها، وصوت مرور القطار بجانب الدير يحدث جلبة بين دمائها- تذكرت عبارة لمحمود درويش “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
إنتابتها رعشة من الروعة والانفعال ؛ فتسلل إلى خلدها صوت أبيها: بنيتي اسألي العادل أبانا الذي في السماء ، اسأليه إيمانا وأنوارا- لا تخلعي رداء الراهبات، لا تهجري الدير، إنه مجلس الراغبين في الإحتواء والراحلين عن دنيا الاستهزاء ، الم يُذكر في الناموس “طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ”! ، حتى جيراننا يذكرون “إذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيًا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك” .
صاحت بين اضلعها : لن أكون كالعذراء، فنخلة الدير لم تعد تطرح رطبا كذي قبل، يُقال أن عمرها أكثر من ثلاثين عاما، أتذكرها وهي فسيلة عندما كنت في مستهل طفولتي، نفسي ألفت ذي قبل السكنى في هذا الدير ، فلما عنه اليوم رحيلا ترغبين؟ سمعت صوتا متهدجا بدأ يتحرك نحوها، كان صوت أبيها: لماذا تريدين بنية الرحيل من هنا، هل هناك من رجل غيري يستحق معه الحياة، وإليه تهشين وتركنين.
إني بين راغبة وراهبة، ألفت الدير، وأرغب في الرحيل عنه إلى من تُدغدغ معه مشاعري، ويهزأركاني، استقل معه القطار، وكل له محطته، تمتمت المرأة العذراء، تمتمت وهي تنظر في المرآة، بدأ الزمن يتحرك إلى معالمها.
سألت نفسها هل أخلع عني رداء رهبنة أوجبه علئ أبي وربما القدر، وما سبق كان اعتكاف واعتزال إلى حين، ثنائية متشابهة غير متطابقة، وفي النفس محنة بين البعد وقرب ذي حنين، ففي داخلي بدأ حب ينبض كالجنين ، ما أشدها من حيرة ذات أنين، فلما العناء في الإنزواء والإنطواء؟ فـ”على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
توقيع: راهبة ترهب الحب!