جسين عبد العزيز: أصبحنا فى الزمن الدستوبى من تبسيط الهزيمة إلى تبرير الجريمة

كتب: حسين عبد العزيز

إن أخطر ما حدث فى جريمة قتل طالبة اداب جامعة المنصورة “نيره ” هى أنها  وقعت فى الأشهر الحرم التى حرم فيها الله  القتل . وأيضا وقعت الجريمة بجوار مبنى يحمل إسم أهم عقل مصرى وعربى فى العصر الحديث .
انه مبنى احمد لطفى السيد .. وهو مبنى من احد مبانى المدينة الجامعية ، بجامعة المنصورة ، واظن أن أحدا لم يقف عند تلك النقطة المهمة ، كما انه يوجد بيننا من لا يعلم من يكون احمد لطفى السيد فى تلك الايام  التى اصبحت إراقت الدماء فيها اسهل من فتح حنفية مياة للشرب  او لرى شجرة . ووجدنا من يبرر القتل كما فعل مبروك عطيه الذى واضح ان مرضا ما ينام داخل عقله ، كما الشيخ الذى هيف اسباب هزيمة حزيران ٦٧ وهذا المرض اسمه ادعاء المعرفه الكاملة ، ولم يطبط مره يقول لا أعلم ، وكأن عدم المعرفه تنتقص منه مثل معظم الرجال الأزهر والسلفية والصوفية وهذا شئ محير لأن ادعاء المعرفه والفهم هى سبب ما نحن فيه من كوارث وخصوصا الفكرية .
وقد ترتب على هذا  ما نراه ونعيشه من فساد اخلاقى ليس له مثيل  ..
ولم تستغل حادثه قتل نيره كما لم يستفاد من هزيمه حزيران ٦٧ حتى الان ، فلو كان قال ان سبب هذة الهزيمة  كان بسبب بعدنا عن العلم ، وهى كانت بالفعل كذلك لكان تم الاستفاده من تلك الهزيمة وتحويلها الى سلاح للنصر والفوز فى كل المجالات التى تؤدى فى النهاية الى الفوز العسكرى .
كذلك فى قضية ذبح نيره فهى عمل إرهابى مكتمل الأركان خرج علينا من يهيف القضية ويضيع فرصة لن تعوض  ، بأن يقرأ الحدث  بطريقة  عميقة  ليوجة رساله واضحة الهدف والمعنى وقوية الحجه ، لان الشاب قتل الفتاة نيره ليس لانها جميلة وملابسها جميلة ، مع أن الأصل أن تكون الفتاة الجميلة وملفته للعين ، وإنما قتلها لانها ترفضه أن يقترن إسمها بأسمه وهو مصمم على يقترن اسمه بأسمها ، ولما تيقن انه مرفض لذاته رغم ما قدم من تنازلات ، فكان قرار الانتقام .
الذى وجد من يدافع عنه وهنا تكمن الكارثة .

حيث التغير الذى حديث فى الشخصية المصرية ليعد مخيفا مريبا ومقلقا للغايه ..وهذا التغير حدث بعد الانتهاء من حرب أكتوبر، و سفر الكثير من اهل مصر الى  ليعملوا ويعيدوا بالفهم السطحى للدين والحياة او ما يطلق عليه الإسلام النظرى الذى  يركز على الشكل ولا يعنيه من الجوهر شئ او كما يقال الفن للفن والادب الادب .
وبهذا تم تفريغ الدين من جوهره، والحياة من معناها.
ونحن جميعا نعانى من هذا الذى يحدث من شكلنة  العباده او الوطنية ، حيث نجد الكثير من يقوم بالعبادة بكل اخلاص من صلاة وذكاة وصوم وحج ، ورغم ذلك يفعل عكس ذلك تمام  اى لا يظهر اى خير وحب للآخر وخصوصا الاقربون ، حيث يعمل جاهدا
على الا يصل اليهما الخير، وايضا يتعمل معهم بأستكبار وتعالى من زاوية الأموال التى لديه، واظن وبعض الظن صدق إننا جميعا صغيرا وكبارا نعلم من هى ام كلثوم وماذا تمثل لنا، لكنى سوف أعيد الحديث والتركيز على نقطة غاية فى الأهمية ، الا وهى إهتمام الشخص بنفسه وبذاته والتعب  لها ومن اجلها، والتحرك فى معترك الحياة وتحت نظر الواحد منا قول أمير الشعراء احمد شوقى ( إجعل لنفسك بعد موتها ذكرى/ فإن الذكرى للانسان عمرا ثان).

وقد عملت أم كلثوم كما عمل الكثير من العظماء من خلال هذا البيت ، وأنا اجدنى مضر أن اذكر تلك الحكاية لانها مهمه جدا ولبد ان نعيها جيدًا .. وهى ( ان أخيل بطل الإلياذة رد على أمة ” تيتى ” عندما قالت له ” إن كان يفضل أن يعيش حياة طويلة ويبقى فى طى النسيان ، أم يعيش حياة قصيرة لكنها فى النهاية تبقى راسخه إلى الأبد فى ذاكرة الجميع ) بالطبع وبالعقل وبالمنطق وبعد النظر  اختار الخيار الثانى وهو ان يعيش حياة  قصيرة ويدخل التاريخ لكى يبقى فى ذاكرة الناس نفس ما عبر عنه الشاعر  ونفس ما ذكره الرسول الكريم فى حديث الشريف ” ينقطع عمل ابن ادم الا من ثلاث ولدا صالح يدعو له او صدقه جارية او علما نافع )
والشخصية التى سوف اتحدث عنها الان فعلت كل هذا.

إن أحمد لطفى السيد  الذى يمكن ان الخص حياة فى الانتماء من خلال الأفعال فكل فعل قام به فى حياته يؤكد على هذا الولاء والذى هو للوطن ولا شئ غير الوطن وانا سوف ابدأ من شئ قد يبدو غريبا على الكثير منا ، و هو بعد أن قامت ثورة يوليو  توجه نفر من الضباط الاحرار لعرض على استاذ الجيل بل استاذ الاجيال كلها المشهور بإسم ” احمد لطفى السيد ” ان يتولى رائسة مصر فأعتزر عن المنصب بأنه قدر كبر فى السن ، ثم اردف فى المره الثانية عندما عاد اليه نفر من الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر  فذاد بقوله على القول الاول ” أن من قام بها فهو اولى بها “.

إن أحمد لطفى السيد المولد فى ( ١٨٧٢/ ورحل عن الدنيا فى ١٩٦٢ ) يعد حاله نادرة فى الثقافة المصرية والعربية فهو قليل الانتاج ، الا ان له بصمات كبيره فى المجال الثقافى بجميع روافده المتنوعه ونحن سوف نعمل جاهدين على الحديث عن تلك الروافد  فهو كان أحد أعضاء الوفد المؤسسين لثورة 19، وكان صديقا وندا لسعد باشا  وكان من خلال عقلة وثقافته يرتقى على كل ما يقابله من هنات فى حياته السياسية والثقافية ..ورغم كتبته تكاد تكون مجهولة حتى بالنسبة للمختصين.

إلا انه يعد علما من أعلام الفترة الليبرالية التى كانت تكتسى مصر بعد ثورة 19ـ ومن هنا فهو موجود فى مذكرات الكبار فى تلك المرحلة ويكاد يكون الوحيد الذى اتفق الكل على قيمته وعظمته لذا فالكل يشير له  بداية من طه حسين الذى قدم له العون  والمساندة من البداية الى النهاية ونحن لو ركزنا على دور لطفى السيد مع طه حسين، فيكفى ذلك لكى تظهر قيمته وعظمته هذا الرجل الذى يندر أن نجد له مثيلا.

لكن قبل أن نشير الى هذا الدور لبد أن نشير الى دوره فى انشاء الجامعة القاهرة منذ كانت أهلية سنه 1908 إلى أن أصبحت جامعة حكومية  فسوف نجد اسم الباشا احمد لطفى السيد  مضيئا مشرقا فى تاريخ الجامعة وفى تاريخ الجامعات المصرية والعربية لانه وضع اسسس مهمه جدا عندما اشتعلت قضية الدكتور طه حسين بسبب كتاب ” الشعر الجاهلى “حيث قدم استقالته من منصب مدير جامعة القاهرة وكان هذا فى 9  مارس سنه 1932   احتجاجا على قرار وزارة إسماعيل صدقى بنقل طه حسين وفصله من الجامعة نهائيا لانه رفض ان يتولى رئاسة تحرير جريدة الشعب.

كل هذا ويوجد الكثير فى حياة الرجل  الذى يجب ان يأرخ له لكنى اود أن اشير إلى شيئا اخر لم يأخذ حقة أو يشير احدا اليه من قريب او من بعيد، نحن الآن فى عام ٢٠٢٣ وكل اهل قريته برقين  التابعة لمدينة السنبلاوين تعرفه بالاسم وتعرف عائلة .. الغير متعلم فيها قبل المتعلم.

هذا الراحل الباقى أحمد لطفى السيد قدم لقريته كما قدم لوطنه ما لا يمكن نسيانه او التغافل عنه . احيث انشأ فى قريته مشروعات خيرية تتعدى العشر مشروعات ما بين المدارس بجميع انواعها الى مستشفى الى بنك زراعى الى محطة سكه حديد، بقى ان اقول من مأسى القدر ان الفتاة نيره ذبحت بحوار مبنى يحمل
اسم أحمد لطفى السيد معلم الأجيال العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى