أحمد فرحات يكتب : الرواية التاريخية

تستفيد الرواية من التاريخ بوصفها لونا روائيا متميزا له خصائصه وجمهوره وتأثيره. يتحرك الروائي من داخله مستعينا بروح الخيال الجامح، يعالج قضايا معاصرة ضرورية، أو يمارس من خلالها الدورالتعليمي المراد الكتابة فيه، والتعبير عنه. أو لإضافة معلومات تاريخية للقارئ، أو يهدف من ورائها إلى تراجم أدبية لبعض الشخصيات، كابن زيدون، أوالمتنبي، أوخالد بن الوليد، أوصلاح الدين الأيوبي ..
وتكون الرواية –عندئذ- أقرب إلى مجال المعارف منها إلى مجال الفنون، وإلى مجال الصدق والواقع منها إلى مجال الخيال، وإلى مجال الجد منها إلى مجال المتعة، ويذهب د. أحمد درويش إلى أننا أحيانا نقترب بالمصطلح من مجال القداسة حين يتصل الأمر برواية الآثار الدينية.
وهناك روايات تعتمد على الرجوع بالقارئ إلى فترة زمنية محددة، وشخصية تاريخية معينة، لا يهدف الكاتب من ورائها إلا اجترار الحنين لتلك الفترة أو الشخصية، ولا يسقط من الواقع المعاصر عليها شيئا، كرواية “موت صغير” لعلوان، الذي آثر أن يجعل من القارئ مشاهدا لحياة ابن عربي، وتنقلاته من الأندلس إلى مكة مرورا بفاس، القيروان، والقاهرة، وسوريا،وتركيا،مستغلا مهارته اللغوية في وصف المشاهد الطبيعية والصراعات السياسية آنذاك لا غير.
فهي أشبه ما تكون أنموذجا لترجمة نفسية لحياة ابن عربي، وغرامياته، بعيدا عن فقهه الديني ومذهبه.
وهناك نمط من الروايات التاريخية لا تقدم للجمهور سوى عبقرية الصياغة اللغوية فحسب، كروايات علي الجارم “غادة رشيد” و”هاتف من الأندلس”.
وهناك نمط ثالث أشد خطورة من النمطين السابقين، وهو الرواية التاريخية التي تتخذ من التاريخ وأحداثه وشخصياته قناعا لما يدور في الواقع الراهن، مستفيدا من الإبداع والخيال للفرار من بطش السلطة. ويحاول الروائي أن تكون مادته التاريخية في إطار بناء فني محكم، دون أن يضحي بالحقيقة التاريخية أو يزيفها. فالذي ضحى بالحقيقة التاريخية وزيفها علي أحمد باكثير في “واإسلاماه”.
أما نجيب الكيلاني فقد أوقف جل رواياته على التاريخ الإسلامي القديم، والوسيط، والمعاصر؛ فكتب نور الله، وقاتل حمزة، ليعالج فترة صدر الإسلام، حيث سبر غور وحشي ودخل في دهاليز نفسه ليصور انتقاله من الكفر إلى الإيمان.
وكتب في التاريخ الوسيط “اليوم الموعود” ليصور فترة الحروب الصليبية وأسر لويس التاسع في دار ابن لقمان.
وفي الحديث كتب رواية “طلائع الفجر” عن الحملة الفرنسية واعتداء نابليون على الأزهر الشريف.
ولا بأس للروائي أن يضيف شخصيات من بنات أفكاره ليؤكد حقيقة ما، دون أن يغير في الحقيقة التاريخية أو يزيفها كما يمكن للروائي استدعاء بعض الشخصيات التاريخية المعروفة ليعالج من خلالها قضية معاصرة كاستدعاء الروائي لشخصية عمر بن الخطاب لفرض حالة من العدل، أو صلاح الدين الأيوبي لبث روح الطمأنينة للشعب الفلسطيني المغلوب على أمره. وعلى الروائي أن يكون حذرا جدا في استدعاء شخصيات لها طابع التقديس والسمت الديني فلا يحور، ولا يزيف، ولا يغير، ولا يعبث بمسارها.


