Site icon مباشر 24

أحمد فرحات يكتب: الأدب الشعبي

سئل د. الطاهر أحمد مكي عن الأدب الشعبي الذي يخصص له كرسي في كليات الآداب في مصر، فأجاب: هناك أدب شعبي بالطبع، لكن لا يكتب بالعامية، الأدب الشعبي ليس له مؤلف واحد بل ألفته الأمة، وكل واحد أسهم فيه بنصيب، ألف ليلة وليلة مثلا- أدب شعبي؛ لأنه لم يؤلفه واحد بل ألفته أمة.

واضح أن د. مكي يركز على فكرة مجهولية المؤلف التي تحتم أن يكون المبدع حاملا لهموم الشعب، كما يتمتع الأدب الشعبي بخاصية أخرى وهي اعتباره الكلمة  المعبرة عن وجدان الشعب بصورها المختلفة، أقول الشعب أي الجماعة، وليس الفرد. وهناك من يعطيه تعريفا كاملا بأنه هو الأدب المجهول المؤلف، العامي اللغة المروي شفاهيا، المعبر عن ذاتية الطبقات الشعبية الدنيا، المتوارث عبر الأجيال. وموضوعات الأدب الشعبي هي: الحكاية الشعبية، الأسطورة، الخرافة، النكتة، الأغاني الشعبية، الأمثال، المدائح النبوية…

أما ما يكتب بالعامية فهو مزيج من العامية والفصحى المشذبة، الضاربة بجذورها ومكوناتها الدلالية في معالم أسلوبية شعبوية نابعة من قلب الشعب، ومعبرة عن آماله وآلامه معا، فهناك دعامتان لهذا الكلام حتى يكون أدبا.

الأولى استثمار مطالب الناس الفنية، الأخرى أن يتم التعبير عن هذه المطالب بأدوات تعبيرية مناسبة هي غالبا أدوات الاستفهام، النداء، واللغة الشعرية، ذات النبرة الموسيقية العالية، بعضها يلتزم أوزان الفصحى، وبعضها الآخر لا يلتزم، بل أحيانا يكون له أوزان خاصة ينسج على منوالها. ويدلنا على ذلك أعلام للكلام الذي ارتقى إلى الأدب عند صلاح جاهين، بيرم التونسي، رامي، .. وحديثا مسعود شومان، عفاف ترك، أسماء كامل، أشرف البنا، سعيد شحاتة، سامح هريدي، وفاء علي… وغيرهم كثير، ولا يمكن أن تدير ظهرك له.  

إليك نموذجا للكلام المرقى إلى الأدبية عند أسماء كامل فإنها تؤمن بقوة أبياتها، ونبرة تحديها للصعاب، فتتمسك بما بقي لديها من قوة إرادة، وتعزف قصيدة “ورحمة أمي” على نمط الرباعيات، تلوب فيها بلوعة الفقد، وخذلان الصحاب، وغدر الزمان، فتفيض شاعريتها وتتدفق صورها المحسوسة والروحية:

وبحق كل لحظـة شــوق ***بحق ما سبتوا فيا شقوق

بحق كل قطــــرة حُـــب***صحِّت جوّة منكـوا عــروق

ليــنزف قلبكــم أحــــزان***ويوصف م الجراح ألوان

ويزرف م النـــــدم كيلـة***وما يلاقي غـير الحرمان

أنت أمام قطرات من روح، وبقايا جسد مُعَنّى، يقطر الشعر منها قطرات دماء، ولا تنفك عن اللواذ إلى السحر والخيال في عبارات التحدي المر، واللهيب المقدس. ويكفيك من قصائد عنوانها “شق الروح” وهو عتبة ذائعة عند العرب قديما، وفي بعض قرى مصر، عندما تصاب المرأة برزء مهلك، فتشق جلبابها حسرة وحزنا، لكن أسماء كامل تشق روحها حسرة ووجعا.

بإيجاز، نريد أدبا ينظر لأقدامنا، ولا ينظر للسماء، ينظر للحياة المعيشة، ينظر للإنسان المعاصر، بكل تفاصيله، نكتفي بالنظر إلى الجاحظ والمتنبي وامرئ القيس، فهذا أدب تقوقعنا فيه آلاف السنين، الأدباء الأوربيون لا يكتبون في الخواء؛ وإنما يعالجون المشكلات الاجتماعية الإنسانية، وهم يكتبون للشعب بلغة الشعب.

Exit mobile version