حسام بدر يكتب: محنة الجبر والاختيار

قال مقدر الأقدار “لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ”، “وما رميت – إذ رميت – ولكن الله رمى” ، (والله خلقكم وما تعملون(…، محنة الجبر والاختيار وأقدار الاختبار والأمر له من قبل ومن بعد، وما لك حيلة إلا رجاء . يمنح جمالا لأيام ويمنعه من أخرى. لا مقيد لمشيئته ولا كبح لإرادته.

وهي ذاتها التي تخلق النواميس والأسباب مشيئة الهية أجبرتها على المجيء وأرغمتها على الرحيل ، وبين الولادة والموت منحت حرية، والأمر حرية في جبرية وجبرية في حرية ، في ظاهره اختيار والباطن تخير، تؤمر ولا تأمر، تُحرًّك ولا تحرِّك  والفاعل الأول لا يُسأل، وأنت المسئول رغم أنك به المفعول.

حدث الدرويش نفسه: تحملي يا نفس سوط عذاب الفراق، وصوتا بين جنباتي أغالبه ويغالبني كم أنا ممزق بين صوت وسوط، ، صيحي اصرخي.. أدع لي بحق ما كان، فما أقسى الترك وأصعب الهجر! والأمر ليس بحولك أو بحولها وإنما بحوله “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى”.

أبصر الدرويش لوحة ليوناردو و(العشاء الأخير لـ”السيد”)، يُقال أنه قتل في سبيل خطايا العالم، لماذا ضلوا؟ يبدو أن الأمر لم يكن بأيديهم “يهدي من يشاء”  نظر إلى سحوره الأخير، هاتف نفسه: جسدي سيبذل عقله لينسج وهم اختيار، ودمي سيتلون في معارجه من القلب له في جل جسدي انتشار، سيتلون كالحرباء علني أغالب من يجري فيه ويسلك به، يانفسي فيك وإن رحلت أنفاسها، ستركضين أياما في القفار.

تعرج بعدها إلى السماء تقطف الثمار، ثمار ذكرياتها حتى تعود، أو لا عودة حينما يكون الجسد مفقود، لن أولي الأدبار، سأتحرف لقتال، معركة مع شيطان ينتظر هو مجبور على ذلك مجبول ، سأتحيز لفئة شفعائي من الصالحين.

وتحرفي وتحيزي بيده لا بيدي(خالق كل شيء) هو “وما تعملون” وكله بقدر (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، والسر سينكشف بعد ” ثم كلا سوف تعلمون”  وحينئذ سيعلم المتشاكسون “فيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” ألم أقل لا حيلة لي إلا أمل ورجاء واستعاذة!

تمتم الدرويش: قف يادهر، أمسك يا زمان، كتم دموعه وكأنه طفلا يعاني ظلما، كأنه طفلا يخشى موت أمه يتشبث بأطراف ثياباها، يحاول أن يدتثر بها، فما أعظم اليتم في رحيل أعظم أم، أجّل الآيام، بركة هي في أجساد الأنام، ارتفع صوت الدرويش بمقامات، في رفقة آهات وتأوهات: الأمر ليس إلا رجاء ، الأمر ليس إلا نداء، وحين يحكم القدر، فلا حيلة إلا الصبر، والأمال ليست إلا دعاء أعوذ برب النفوس ومن أرسل الناموس، أن يمنح نفسي ضياء ونور، وأن يجنبني شر كل مستور، ووسوسة خناس يوسوس في الصدور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى