يبدو أن الشعراء المعاصرين تناسوا -عن عمد- أن الشعر يقوم على دعامتين مهمتين، (بخلاف عناصر أخرى)فاتجه بعضهم إلى ترك الشعر إلى القصة والرواية، والبعض الآخر إلى قصيدة النثر، ولذا فهذا مقام تذكير بأهمية الوزن والقافية.
يؤكد النقاد القدامى والمحدثون أهمية الوزن بالنسبة للشعر؛ فابن رشيق يقول عن أهمية الوزن: ” أعظم أركان حد الشعر وأولاها به خصوصية ” ويؤكد د. طه حسين أهمية الوزن في البناء الشعري بقوله: ” إنه الكلام المقيد بالوزن والقافية والذي يقصد به إلى الجمال الفني “، ويؤكد إ. أ. ريتشاردز في كتابه ” مبادئ النقد الأدبي ” أن الوزن هو الصورة الخاصة المتميزة للإيقاع في عمل فني محدد. ويعتمد الاثنان، الإيقاع والوزن ‹‹على التكرار والتوقع. ››ويصفه د. أحمد الشايب بأنه أخص ميزات الشعر وأبينها .
ومع هذا فإن من الشعراء مَنْ لم يلتزم في شعره وزنا موازياً لوزن الفراهيدي، فجاء وزنه مضطربا، قلقا، تعوزه منهجية علم العروض وقوانينه. وقد وردت معلقة ” عبيد بن الأبرص ” في كتب التراث، مع أن بها أخطاءً عروضية فادحة. وقد أنكرها ابن رشيق القيرواني في العمدة وقال عنها:‹‹ فإنها كادت تكون كلاماً غير موزون بعلة ولا غيرها، حتى قال بعض الناس:إنها خطبة ارتجلها فاتزن له أكثرها.›› ومطلع هذه القصيدة – كما وردت عند ابن رشيق – هو:
أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ.
والشواهد على ذلك كثيرة، يكفينا – فقط – أن نشير إلى وجود خروج على المتن العروضي المتوارث.واضطراب الأوزان باب لم يخل منه شعر شاعر قديم أو حديث.
وكما أولى النقاد القدامى أهمية خاصة للوزن، نراهم يولون القافية الأهمية نفسها؛ لأنهما معاً أبرز عناصر الشعر خصوصية، وفي هذا الصدد يقول ابن طبا طبا العلوي في عيار الشعر إن الشاعر المجيد: ” تكون قوافيه كالقوالب لمعانيه، وتكون قواعد للبناء يتركب عليها ويعلو فوقها، فيكون ما قبلها مسوقا إليها، ولا تكون مسوقة إليه. ومن هنا ” جعلوها قسيم الوزن، وأحاطوها بالتقديس، بحيث يخرج الخالي منها بعيدا عن دور الشعر”ومن هنا تجيئ أهمية القافية في البناء الشعري، فهي ” لا تعني مجرد التطابق بين الأصوات، ولكنها ظاهرة من الظواهر الايقاعية(” لها دورها الدلالي والصوتي والإيقاعي في آن.
والقافية كما عرفها الخليل هي: ” من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه من قبله، مع حركة الحرف الذي قبل الساكن”. ولها أهميتها في الشعر العمودي، وشعر التفعيلة معاً، ولا يجب أن ننخدع أن شعر التفعيلة أهمل القافية نظراً لطريقة الشعر الجديد التي تعتمد على التفعيلة، وعدد تكرارها في السطر. بل إن الحاجة إلى القافية في شعر التفعيلة أشد ما يكون منها إلى الشعر العمودي.” وربما أكثر ضرورة، لاشتداد العمل إلى القسمات الفارقة بينه وبين النثر”. وإذا كانت القافية كظاهرة إيقاعية تدخل في بناء القصيدة الحرة وتساعد على تماسكها، فإنها كظاهرة هارمونية تدخل في بناء القصيدة ونسيجها معاً”.