هناء منصور تكتب: المرأة في المجتمع الشرقي

إلى أي حد قد يشارك المجتمع في تشكيل سلوك وشخصية واتجاه المرأة في حياتها، وهل يختلف تأثير المجتمع على المرأة عن تأثيره على الرجل؟

الواقع يقول نعم، فالحدود التي وضعها المجتمع على المرأة فضلا عن الحدود الشرعية التي فرضت عليها في حالة المرأة الشرقية المسلمة أكثر من تلك التي وضعت على تصرفات الرجل وأفعاله، المرأة دائما ما تكون تحت مراقبة شديدة وحذرة منذ الطفولة المبكرة على غير الرجل الذي يتحرر مبكرا من تلك المراقبة وينعم بقدر من التحرر والانتقال يعطيه الفرصة لاكتشاف الواقع والتفاعل معه قبل المرأة.

لكن لماذا لا تنال المرأة نفس القدر من الحرية وهنا أقصد المرأة في مجتمعنا الشرقي أو المصري تحديدا، هل لنقص بها، إذا كان بها نقص فالأَولى بمن يربيها السعي إلى إكماله ولو جزئيا، أم لعدم اقتناعهم بحاجتها إلى ما يناله الرجل من تحرر؟! ولماذا قد يفكر البعض هكذا؟

الحقيقة أن الحدود الكثيرة التي قيدت المرأة ما وُضعت إلا لحمايتها من الجنس البشري الآخر أو الرجل، يخشون عليها لاقتناعهم بضعفها البدني إذا قورن بقوته، تلك الميزة النسبية التي حباه تكوينه الفسيولوجي بها.

إذًا فهناك من البشر عنصر ضعيف وآخر قوي، والمجتمع قد أعطي العنصر القوي ما يزيد من قوته ونفوذه كعدم محاسبته على أخطائه وتجاوزها بقدر أكبر، أعطاه حقوق في الحركة أكبر بحكم مسؤولياته التي بدأ يتخلى عنها تدريجيا ويلقيها على العنصر الأضعف، هذا التخلي أيضا

كان سببه قوته التي أعطاه إياه المجتمع وتكوينه البدني..
المرأة مُقيدة لأنها الطرف الأضعف، البعض قيدها لغرض الحماية والآخر قيدها لغرض الاستغلال…

أما القيد الذي غايته الاستغلال، فليس من صنع الدين ولا من صنع الطبيعة التي حبته بقوة بدنية أكبر، ولكنه من صنع المجتمع والعُرف الذي صاغ كل شيء لحساب الرجل، هل تعلم أن معظم أو كل الفقهاء رجال؟

غالب الأحكام الفقهية تميل إلى السيطرة على المرأة لتبقى كائن ضعيف مغلق، يتجاهلون مثلا تلك المرأة التي جادلت النبي وأنزل فيها سورة من القرآن، يتجاهلون قوله تعالى “ولهن مثل الذي عليهن” لتبقى المرأة ملعونة إذا لم تكن أمة لزوجها أنى يشاء، ثم تتابع في بعض كتب الفقه من يقول أن الرجل غير مُكلف بعلاج زوجته المريضة مثلا، لأن ذلك من الصيانة! والصيانة غير واجبة عليه!

أين ذلك من آيات القرآن الكريم حول غاية وماهية الزواج، العرف جعل المرأة قاصرا كي تنال ميراثها، الذي أقره له الله تعالى، العرف أقرّ أن المطلقة يجب أن تكون تحت مسؤولية رجل آخر، ليس من باب المسؤولية ولكن من باب الرئاسة والتنظير، رغم أن الشرع أعطاها الحق في تزويج نفسها إذا كانت سيب، العرف والشرع..

والمجتمع الذي يخشى على المرأة من الذكر لضعفها، صاغ أعرافا لتأكيد ذلك الضعف واستغلاله، أما ما جاء لها من حقوق ليعطيها حق الاختيار وحرية التصرف، كإنسان له ما للذكر وعليه ما عليه من حقوق وواجبات، غير أن مسؤولية الرجل تزيد عليها لأجلها رحمة بها لضعفها؛ تجاهل كل ذلك، وتعاون كل ذكر مسؤول أب وأخ وزوج على وأد حرية ذلك الإنسان ليضمن سيطرته وتسيده الذي ناله أمثاله في الجاهلية الأولى..

ذلك الرجل الذي أقرّ عليه الشرع حمايتها والإنفاق عليها والرفق بضعفها، جعل ممن تتزوج بعد موت زوجها منقوصة، ولم يراعي دوره في كفالة أبنائها مثلا أو كفالتها وطالبها بالبقاء وحيدة تعمل وتربي وحدها، في حين أن الرجل الذي أقر قول الله تعالى أنها لها نفس الحقوق والواجبات كامرأة ورجل وتناسى حقها كمخلوق من جنس بشري له تكوينه واحتياجاته، في حين إذاعة سنة التعدد لدى الرجال لمجرد إشباع جنسي زائد.

تجد المجتمع يؤيد ويمدح في المرأة التي تتحمل سوء خلق زوجها، لكن الرجل ليس عليها أن يتحمل سوء خلق زوجته وعليه أن يهجرها ويضربها، كل الكلام دائما عن نشوز الزوجة وعن علاجه وتقويم الزوجة رغم أن القرءان ذكر نشوز الزوج أيضا بنفس القدر وهناك أيضا طرق لعلاجه، لكن هناك صمت مطبق عليها لأن المجتمع يؤثر ذكوريته عن حماية نسائه وكثير من ذلك.

تذكر متى تم تطبيق قانون الخلع في مصر، رغم حق المرأة المذكور في القرآن بافتداء نفسها إن كرهت زوجها، وإن كان رجل دين وخلق، يكفرون ذلك ويشيعون أن من أي امرأة تطلب الطلاق لغير سبب لها النار.. كيف؟

هل بعد كل ذلك تكون شخصية المرأة وسلوكها طبيعي او إنها سلوك حقيقي نشأ عن إرادة؟

هل يمكن ان تكون شخصية المرأة حقيقية، هل هي تحتفظ بالطبيعة النفسية النقية التي خلقها بها الله، أم أنها تتشكل بوعي وغير وعي طبقا لمتطلبات الواقع والمجتمع الذي تعيش فيه كي يُعلن رضاه أو سخطه عنها.

لا يمكن أن تنمو طبيعة نفسية صادقة وسط القيود، لا يمكن أن تعرف قدر إيمانك بغير اختبار وابتلاء، لا يمكن أن تتحدد شخصية المرأة دون حقوق واضحة وملموسة في الاختيار، والحماية الحقيقية من العنصر الأقوى، الذي أشاع أنها سبب الشر من خلال حزمة من الأمثال الشعبية، والحكايات التي لا يُذكر مصدرها وتتوارثها الأجيال، كل ذلك من أجل تشكيل شخصية المرأة بطريقة تُنمي ذكورية الرجل وإحساس شهريار الداخلي عنده.

أتساءل كثيرًا ماذا لو كانت تلك النساء اللاتي أضعفهن الشقاء في مجتمع آخر؟ ماذا لو لم يكن وحدة في تكوين مجتمع يضع الذكر في مرتبة أعلى من الأنثى، ثم يُلقي عليهن عُرفا لا شرعا مهام ومسؤوليات وواجبات أثقل مما يفرضها علي الجنس الأكثر حقوقا؟ ماذا لو كن نساء تكوّن عقلهن في مجتمع أكثر تحررا وأكثر عدالة بين الجنسين؟

هل سيظلن بحملن نفس الروح المثقلة؟ تلك الروح التائهة التي لا تجد مستقرا غير في خيالها ولا تشعر بالعدالة غير في نصوص الشرع التي غلب العرف المجتمعي المتعاضد دوما مع الذكر على معظم تفسيراته، وتعاملات أفراده؟
ماذا لو كن نساء غير شرقيات يحملن نفس طبائع الشخصية التي قيدها عُرف يُدني من مطالبتهن بأي من الحقوق؟ ماذا لو كن يعشن في عصر أقرّ بطبائعن وفرديتهن كأمر مقبول لا ينتقص من كونهن إنسان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى