Site icon مباشر 24

مفكرة رمضانية| عبد الله كمال يروي ذكرياته مع شهر رمضان

لا أستطيع أن أنسى ذكريات شهر الرحمات والبركات، شهر القرآن والذكر، شهر الصيام والقيام والإكثار من فعل الخيرات لله.فمنذ نعومة أظافري ووالدي يقول لي عند تكريم حفظة القرآن الكريم في شهر رمضان: لقد أدخلتك الأزهر الشريف كي تكون صالحا وتحفظ القرآن الكريم.

وقد كان ذلك هو العامل الرئيس في حفظي للقرآن الكريم وتعلمي للتفسير والفقه وأصولهما  والحديث ومصطلحه وسائر علوم اللغة العربية،  مروراً بإتقان اللغة الإنجليزية ودراستي للغة الفرنسية، والآداب الأجنبية ونقدها.

ولا زلت أتذكر هذا الموقف الذي حدث معي وأنا في الصف الرابع الابتدائي، وقد كان في نهارٍ شديد الحر في رمضان حيث بلغت درجة الحرارة ذروتها، وأنا صائم وقد بلغ بي الجوع والعطش مبلغاً لا طاقة لي بهما في هذا السن الصغير، وقد دخل علىَّ والدي بعد صلاة العصر، وقد رأى ما بي، وأنا أشكو له شدة الجوع والعطش.

فقال لي: هانت ولم يتبق على المغرب إلا قرابة الساعة فإن شئت فتحمَّل ولك الأجر، وإلا فافطر. فما كان مني إلا أن أصبر نفسي رجاء الأجر والثواب من رب العباد في هذا الشهر الفضيل.

كذلك لا أنسى تكريمي في هذا الشهر المبارك لحفظي للقرآن الكريم، ولا زلت طالباً في الأزهر الشريف ؛ وفوزي بجائزة عمرة لبيت الله الحرام، وقد تم تسلمي إياها في حفل جامع مهيب في ليلة مشهودة من ليالي هذا الشهر الكريم وقد كانت ليلة السابع والعشرين، وأحمد الله العلي العظيم أن وفقني لإهدائها لولدي الفاضل الذي لا زال ولا يزال يدعمني ويرفع من روحي المعنوية في طلب العلم وتعلمه وتعليمه وبذله للآخرين.

وتحضرني كل عام مأدبة شهر رمضان والتي نقدمها لمن حضر من الأحباب والأصدقاء والفقراء، وعند سماع المؤذن للمغرب: الله أكبر .. الله أكبر، يبدأ الصائمون في الإفطار بتناول التمرات على هدي الحبيب المصطفى – صلوات الله وسلامه عليه – ويتناولون المشروبات الطيبة، سائلين المولى – تبارك وتعالى – إجابة الدعاء والقبول، لنقوم بعد ذلك لصلاة المغرب.

وبعد تأديتها نقوم بتناول الإفطار في سعادة بالغة أن منَّ الله علينا وقد بَلَّغَنَا شهر رمضان وأن وفقنا لصيامه، وبعد ذلك نتهيأ لصلاة العشاء ونسأل الله أن يعيننا على قيامه وأن يتقبله منا وسائر أعمالنا، ومن جميع عباده الموحدين.

ويحضر ذاكرتي وأفتكر هذا الحب وهذا الحنين للمكان الذي أقف فيه إماماً بالمسلمين في صلاة التراويح وقد امتلأ المكان عن آخره بالمصلين الذين أتوا لينالوا رضا الله الكريم، وليهبهم الرحمات والبركات والخيرات، وقد استمع الجميع لما يتلى من آيات الذكر الحكيم في بيت من بيوت الله الجليل، في خشوع وسكينة ووقار.

وهنا تنهمر الدموع بين الخشية والرجاء؛ فبين خشية الله وغضبه وعقابه، وبين رجاء رحمته وعفوه وغفرانه. حتى آخر ليلة في رمضان وقد اشتد البكاء لا لشيء إلا لوداع هذا الشهر العظيم ووداع هذا المكان الذي أَلِفْنَاهُ وَأَلِفَنَا؛ حتى نشعر بحرارة اشتياقنا إليه واشتياقه إلينا.

وعلى أمل أن يتقبل الله من الجميع صيامهم وقيامهم وصالح أعمالهم وبلوغ رمضان آخر حتى نحظى بالنعيم المقيم والرضوان العظيم من الله الكريم.

الدكتور عبد الله كمال أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وأستاذ العلاقات العامة على المستوى الدولي.

Exit mobile version